نام کتاب : الإصابة في تمييز الصحابة نویسنده : العسقلاني، ابن حجر جلد : 1 صفحه : 51
فهل بعد هذا كلّه يعقل أن يعبث الصّحابة، أو يقرون من يعبث بكتاب اللَّه تعالى و سنة رسوله (صلى اللَّه عليه و سلّم).
العامل الثّامن:
تعويدهم الصّدق و ترويضهم عليه عملا، كما أرشدوا إليه و أدبوا به فيما سمعوا علما، و التّربية غير التّعليم، و العلم غير العمل، و نجاح الفرد و الأمّة مرهون بمقدار ما ينهلان من رحيق التّربية، و ما يقطفان من ثمرات الرّياضة النفسية و القوانين الخلقية، أما العلم وحده فقد يكون سلاح شقاء، و نذير فناء، كما نرى و نسمع.
و لقد أدرك الإسلام هذه النّاحية الجليلة في بناء الأمم فأعارها كل اهتمام، و عني بالتّنفيذ و العمل أكثر مما عني بالعلم و الكلام.
انظر إلى
قول الرّسول (صلى اللَّه عليه و سلّم) لمن يدرسون العلم في مسجد قباء «تعلّموا ما شئتم أن تعلّموا فلن يأجركم اللَّه حتّى تعملوا».
و لقد مرّ بنا قبل ذلك الحديث عن الكذب، و هو أنواع، و شرع اللَّه عقوبة من أشنع العقوبات لمن اقترف نوعا منه و هو الخوض في الأعراض، تلك العقوبة هي حدّ القذف الّذي يقول الحقّ جلّ شأنه فيه: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ[1].
أ فبعد هذه التربية العالية يصح أن يقال: إن الصحابة يكذبون على اللَّه و رسوله، و لا يتثبتون، ألا إن هؤلاء من إفكهم ليهرفون بما لا يعرفون، و يسرفون في تجريح الفضلاء و اتهام الأبرياء و لا يستحون، فويل لهم من يومهم الّذي يوعدون.
العامل التّاسع:
القدوة الصّالحة، و الأسوة الحسنة، التي كانوا يجدونها في رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و سلّم) ماثلة كاملة، جذابّة أخّاذة، و لا شكّ أن القدوة الصّالحة خير عامل من عوامل التّعليم و التربية و التّأديب و التّهذيب.
و لم يعرف التّاريخ و لن يعرف قدوة أسمى و لا أسوة أعلى و لا إمامة أسنى من محمد (صلى اللَّه عليه و سلّم) في كافة معناه الكمال البشري، خصوصا خلقه الرّضي، و أدبه السّني، و لا سيما صدقه و أمانته و تحريه و دقته.
[ ()] في الكبير 10/ 180 و ذكره السيوطي من الدر المنثور 2/ 301، 341 و الزبيدي في إتحاف السادة المتقين 7/ 12.