نام کتاب : الإصابة في تمييز الصحابة نویسنده : العسقلاني، ابن حجر جلد : 1 صفحه : 47
ثانيا: عوامل تثبّت الصّحابة في الكتاب و السّنّة
بعد أن ألقينا الضّوء على عوامل حفظ الصّحابة للكتاب و السّنة نعرج على بيان عوامل تثبتهم- (رضوان اللَّه عليهم)- فيهما.
قال الشّيخ الزّرقانيّ: «إنّ النّاظر في تاريخ الصّحابة يروعه ما يعرفه عنه في تثبتهم أكثر مما يروعه عنهم في حفظهم، لأن التثبت فضيلة ترجع إلى الأمانة الكاملة و العقل الناضج من ناحية، ثم هو في الصّحابة بلغ القمّة من ناحية أخرى.
و لهذا التّثبّت النادر في دقته و استقصائه بواعث و دواع أو أسباب و عوامل إليك بيانها:
العامل الأوّل
أمر اللَّه تعالى في محكم كتابه بالتّثبّت و التّحرّي، و حذّر من الطّيش و التّسرّع فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ[1].
و كذلك نهى اللَّه عن اتباع ما لا دليل له فقال: وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا[2].
و قد عاب القرآن على من يأخذون بالظّن فقال جلّ شأنه: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَ إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً[3] و كان الصّحابة هم المخاطبين بهذه التعاليم و المشافهين بها فلا ريب أن تكون تلك الآداب الإسلامية من أهم العوامل فمن تثبيتهم و حذرهم خصوصا فيما يتصل بكتاب ربهم و سنّة نبيهم، و بعيد كل البعد أن يكونوا قد أهملوا هذا النصح السّامي و هم خير طبقة أخرجت للناس.
العامل الثّاني:
الترهيب الشديد، و التهديد و الوعيد لمن يكذب على اللَّه أو يفتري على رسوله (صلى اللَّه عليه و سلّم) قال عز اسمه: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ، وَ مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ[4] و الآيات في هذا الشأن كثيرة.
و نقرأ في السّنة النبويّة
قوله (صلى اللَّه عليه و سلّم): «من كذب عليّ متعمّدا فليتبوَّأ مقعده من النّار»
و هو حديث مشهور، بل متواتر، ورد أنه قد رواه اثنان و ستون صحابيّا منهم العشرة المبشرون بالجنة، و السّنّة أيضا مليئة بأحاديث من هذا النوع.