نام کتاب : الإصابة في تمييز الصحابة نویسنده : العسقلاني، ابن حجر جلد : 1 صفحه : 29
يكتب الحديث الشريف كما يكتب القرآن الكريم، و على ذلك تحمل الأحاديث الواردة في الإذن بكتابة السّنة آخر الأمر، و الواردة في الإذن لبعض الأشخاص كعبد اللَّه بن عمرو- رضي اللَّه عنه-.
و أيّا ما تكن كتابة القرآن و السّنة النّبويّة، فإن التّعويل قبل كل شيء كان على الحفظ و الاستظهار، و لا يزال التّعويل حتى الآن على التّلقّي من صدور الرّجال، ثقة عن ثقة و إماما عن إمام إلى النّبيّ (صلى اللَّه عليه و سلّم).
غير أنّ الرّجل الأميّ و الأمّة الأميّة يكونان أسبق من غيرهما إلى الحفظ، للمعنى الّذي تقدّم.
العامل الثّاني:
أن الصّحابة كانوا أمّة يضرب بها المثل في الذّكاء و قوة الحافظة و صفاء الطّبع، و سيلان الذّهن و حدّة الخاطر، و في التاريخ العربيّ شواهد على ذلك يطول بنا تفصيلها، حتى لقد كان الرّجل منهم يحفظ ما يسمعه لأوّل مرّة مهما طال و كثر، و ربّما كان من لغة غير لغته و لسان سوى لسانه، و حسبك أن تعرف أنّ رءوسهم كانت دواوين شعرهم، و أنّ صدورهم كانت سجلّ أنسابهم، و أن قلوبهم كانت كتاب وقائعهم و أيّامهم، كلّ أولئك كانت خصائص كامنة فيهم و في سائر الأمّة العربيّة من قبل الإسلام، ثم جاء الإسلام فأرهف فيهم هذه القوى و المواهب، و زادهم من تلك المزايا و الخصائص بما أفاد طبعهم من صقل، و نفوسهم من طهر، و عقولهم من سموّ، خصوصا إذا كانوا يسمعون لأصدق الحديث و هو كتاب اللَّه، و لخير الهدي، و هو هدي محمد (صلى اللَّه عليه و سلّم).
العامل الثّالث:
بساطة هذه الأمّة العربية، و اقتصارها في حياتها على ضروريات الحياة من غير ميل إلى التّرف، و لا إنفاق جهد أو وقت في الكماليات، فقد كان حسب الواحد منهم لقيمات يقمن صلبه، و كان يكفيه من معيشته ما يذكره شاعرهم في قوله: [الطويل]
و ما العيش إلّا نومة و تبطّح* * * و تمرٌ على رأس النّخيل و ماء
و أنت تعلم أن هذه الحياة الهادئة الوادعة و تلك العيشة الراضية القاصدة توفر الوقت و المجهود، و ترضي الإنسان بالموجود، و لا تشغل البال بالمفقود، و لهذا أثره العظيم في صفاء الفكرة، و قوّة الحافظة و سيلان الأذهان، خصوصا أذهان الصّحابة في اتجاهها إلى حفظ القرآن و حديث النّبي- عليه الصّلاة و السّلام و ذلك على حد قول القائل: [من الطويل]
نام کتاب : الإصابة في تمييز الصحابة نویسنده : العسقلاني، ابن حجر جلد : 1 صفحه : 29