كأنّه لم يكن يوما فيا أسفا* * * ما كنت من بعد ما مرّت بمبتهج
كلّا لعمري و إنّي فالق كبدي* * * حزني عليك و قلبي جدّ ملتعج
و لا أحبّ ديارا قد قبضت بها* * * فنحوها بعد بعد منك لم أعج
نعم و أبغضت و اللَّه الحياة بلا* * * وجود أنسك فاعلم ذاك و ابتهج
لهفي على مجلس الإملا و حاضره* * * من كلّ حبر لسبل الخير منتهج
كم فيه من راس راس هزّ من عجب* * * و الجمع من شدّة الإصغاء لم يمج
كأنّنا لم نكن يوما لديك و لا* * * بقولك العذب منّا قطّ سرّ نجي
فيا دوام افتكاري للسّرور بكم* * * و يا بكائي طوال الدّهر و الأبج [1]
لأملأنّ بسيط الأرض من أدب* * * ركّبت فيك معانيه من البرج
جمعت قلبا بحبّ فيك ممتلئا* * * إلى لسان بأنواع الرّثا لهج [2]
عليك منّي تحيّات أردّدها* * * ما هيّج الورق قلبا فيك ذا وهج
و جاد مهدك في صوب الرّضا مزن* * * يا بحر يحيي بقاع الأرض بالثّبج
و منهم العلامة الشّهاب أبو الطّيّب أحمد بن محمد الحجازي فأنشدني لفظه لنفسه قوله:
الكامل:
كلّ البريّة للمنيّة صابره* * * و قفولها شيئا فشيئا سائره
و النّفس إن رضيت بذا ربحت و إن* * * لم ترض كانت عند ذلك خاسرة
و أنا الّذي راض بأحكام مضت* * * عن ربّنا البرّ المهيمن صادره
لكن سئمت العيش من بعد الّذي* * * قد خلّف الأفكار منّا حائرة
هو شيخ الإسلام المعظّم قدره* * * من كان أوحد عصره و النّادره
قاضي القضاة العسقلانيّ الّذي* * * لم ترفع الدّنيا خصيما ناظره
و شهاب دين اللَّه ذو الفضل الّذي* * * أربى على عدد النّجوم مكاثره
لا تعجبوا لعلوّه فأبوه من* * * قبل عليّ في الدّنا و الآخرة
هو كيميا العلم و كم من طالب* * * بالكسر جاء له فأضحى جابره
لا بدع أن عادت علوم الكيميا* * * من بعد ذا الحجر المكرّم بائره
[1] الأبج محركة الأبد: القاموس المحيط 1/ 100.
[2] الرّثا مقصورة ضرورة، و الرثاء تعداد محاسن الميت.