الحسين، و أمره بكرب قبره [1] و محوه و إخراب كل ما حوله، فمضى لذلك و خرب ما حوله، و هدم البناء و كرب ما حوله نحو مائتي جريب، فلما بلغ إلى قبره لم يتقدم إليه أحد، فأحضر قوما من اليهود فكربوه، و أجرى الماء حوله، و وكل به مسالح بين كل مسلحتين ميل، لا يزوره زائرإلاّ أخذوه و وجهوا به إليه.
فحدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال:
بعد عهدي بالزيارة في تلك الأيام خوفا، ثم عملت على المخاطرة بنفسي فيها و ساعدني رجل من العطارين على ذلك، فخرجنا زائرين نكمن النهار و نسير الليل حتى أتينا نواحي الغاضرية، و خرجنا منها نصف الليل فسرنا بين مسلحتين و قد ناموا حتى أتينا القبر فخفي علينا، فجعلنا نشمه [2] و نتحرى جهته حتى أتيناه، و قد قلع الصندوق الذي كان حواليه و أحرق، و أجرى الماء عليه فانخسف موضع اللبن و صار كالخندق، فزررناه و أكببنا عليه فشممنا منه رائحة ما شممت مثلها قط كشيء من الطيب، فقلت للعطار الذي كان معي: أي رائحة هذه؟فقال: لا و اللّه ما شممت مثلها كشيء من العطر، فودعناه و جعلنا حول القبر علامات في عدة مواضع.
فلما قتل المتوكل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين و الشيعة حتى صرنا إلى القبر فأخرجنا تلك العلاماتو أعدناه إلى ما كان عليه.
و استعمل على المدينة و مكة عمر بن الفرج الرخّجي فمنع آل أبي طالب من التعرض لمسألة الناس، و منع الناس من البر بهم، و كان لا يبلغه أن أحدا أبر أحدا منهم بشيء و إن قل إلاّ أنهكه عقوبة، و أثقله غرما، حتى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة، ثم يرقعنه و يجلسن على معازلهن عواري حواسر، إلى أن قتل المتوكل، فعطف المنتصر عليهم و أحسن إليهم، و وجه
[1] في الطبري 11/44 «و فيها-أي في سنة 236-أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي، و هدم ما حوله من المنازل و الدور، و أن يحرث و يبذر و يسقي موضع قبره، و أن يمنع الناس من إتيانه، فذكر أن عامل صاحب الشرطة نادى في الناحية: من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة بعثنا به إلى المطبق، فهرب الناس و امتنعوا من المصير إليه، و حرث ذلك الموضع، و زرع ما حواليه» .