السندي و مضى إلى هرثمة فلحقه بحلوان، فأوصل إليه الكتاب، فلما قرأه تغيظ و قال:
نوطئ نحن الخلافة، و نمهد لهم أكنافها، ثم يستبدون بالأمور، و يستأثرون بالتدبير علينا، فإذا انفتق عليهم فتق بسوء تدبيرهم و إضاعتهم الأمور، أرادوا أن يصلحوه بنا، لا و اللّه و لا كرامة حتى يعرف أمير المؤمنين سوء آثارهم، و قبيح أفعالهم.
قال السندي: و باعدني مباعدة آيسني فيها من نفسه، فبينا أنا كذلكإذ جاءه كتاب من منصور بن المهدي [1] فقرأه فجعل يبكي بكاء طويلا، ثم قال:
فعل اللّه بالحسن بن سهل و صنع، فإنه عرض هذه الدولة للذهاب، و أفسد ما صلح منها، ثم أمرض فضرب بالطبل، و انكفأ راجعا إلى بغداد.
فلما صار بالنهروان تلقاه أهل بغداد، و القواد، و بنو هاشم، و جميع الأولياء مسرورين بقدومه داعين له، و ترجلوا جميعا حين رأوه، فدخل بغداد في جمع عظيم حتى أتى منزله.
و أمر الحسن بن سهل بدواوين الجيش فنقلت إليه ليختار الرجال منها و ينتخبهم، و أطلق له بيوت الأموال فانتخب من أراد، و أزاح الغلة في العطيات و النفقات، و خرج إلى الياسريّة [2] فعسكر بها.
قال الهيثم بن عدي:
فدخلت إليه و سلمت عليه و مازحته، و هو في نحو ثلاثين ألف فارس و راجل، فقلت له: أيها الأمير، لو خضبت لكان للعدو أهيب و أحسن للمنظر، فضحك ثم قال: إن كان رأسي لي فسأخضبه، و إن انقلب به أهل الكوفة فما يصنع بالخضاب.
قال: ثم نادى بالرحيل إلى الكوفة، فرحل الناس.
و أبو السرايا بالقصر [3] ، و قد عقد لمحمد بن إسماعيل محمد بن عبد اللّه
ق الأعمال، و توجه نحو خراسان مغاضبا للحسن، فسار حتى بلغ حلوان، فبعث إليه السندي و صالحا صاحب المصلى يسأله الانصراف إلى بغداد لحرب أبي السرايا، فامتنع و أبى، و انصرف الرسول إلى الحسن بإبائه، فأعاد إليه السندي بكتب لطيفة فأجاب، و انصرف إلى بغداد. فقدمها في شعبان... » .