و أصابوا منه غنيمة عظيمة، و انصرفوا إلى الكوفة بقوة و أسلحة.
و دخل أبو السرايا إلى محمد بن إبراهيم و هو عليل يجود بنفسه فلامه على تبييته العسكر، و قال:
أنا أبرأ إلى اللّه مما فعلت، فما كان لك أن تبيتهم، و لا تقاتلهم حتى تدعوهم، و ما كان لك أن تأخذ من عسكرهم إلاّ ما أجلبوا به علينا من السلاح.
فقال أبو السرايا: يابن رسول اللّه، كان هذا تدبير الحرب، و لست أعاود مثله. ثم رأى في وجه محمد الموت فقال له: يابن رسول اللّه، كل حي ميت، و كل جديد بال، فاعهد إليّ عهدك.
فقال: أوصيك بتقوى اللّه، و المقام على الذب عن دينك، و نصرة أهل بيت نبيك (ص) ، فإن أنفسهم موصولة بنفسك، و ول الناس الخيرة فيمن يقوم مقامي من آل علي، فإن اختلفوا فالأمر إلى علي بن عبيد اللّه، فإني قد بلوت طريقته، و رضيت دينه.
ثم اعتقل لسانه، و هدأت جوارحه، فغمضه أبو السرايا و سجّاه، و كتم موته [1] ، فلما كان الليل أخرجه في نفر منالزّيدية إلى الغري فدفنه.
فلما كان من الغد جمع الناس فخطبهم، و نعى محمدا إليهم و عزاهم عنه، فارتفعت الأصوات بالبكاء إعظاما لوفاته، ثم قال:
و قد أوصى أبو عبد اللّه رحمة اللّه عليه إلى شبيهه و من اختاره، و هو أبو الحسن علي بن عبيد اللّه، فإن رضيتم به فهو الرضا، و إلاّ فاختاروا لأنفسكم.
فتواكلوا و نظر بعضهم إلى بعض، فلم ينطق أحد منهم فوثب محمد بن محمد بن زيد [2] و هو غلام حدث السن، فقال:
يا آل علي: فات الهالك النجا، و بقي الثاني بكرمه، إنّ دين اللّه لا ينصر بالفشل، و ليست يد هذا الرجل عندنا بسيئة، و قد شفي الغليل، و أدرك الثأر، ثم التفت إلى علي بن عبد اللّه فقال: ما تقول يا أبا الحسن رضي اللّه عنك؟فقد وصانا بك، امدد يدك نبايعك، فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال: