لا عزّ ركنا نزار عند سطوتها # إن أسلمتك و لا ركنا ذوي يمن [1]
ألست أكرمهم عودا إذا انتسبوا # يوما و أطهرهم ثوبا من الدّرن
و أعظم الناس عند الناس منزلة # و أبعد الناس من عيب و من وهن [2]
قال: فتغير وجه الرشيد عند استماع هذا الشعر، فابتدأ ابن مصعب يحلف باللّه الذي لا إله إلاّ هو، و بأيمان البيعة أن هذا الشعر ليس له و أنه لسديف [3] .
فقال يحيى: و اللّه يا أمير المؤمنين ما قاله غيره، و ما حلفت كاذبا و لا صادقا باللّه قبل هذا، و إن اللّه إذا مجّده العبد في يمينه بقوله: الرحمن الرحيم، الطالب الغالب، استحيى أن يعاقبه، فدعني أحلّفه بيمين ما حلف بها أحد قط كاذبا إلاّ عوجل. قال: حلّفه.
قال: قل: برئت من حول اللّه و قوته، و اعتصمت بحولي و قوتي، و تقلّدت الحول و القوة من دون اللّه، استكبارا على اللّه، و استغناء عنه، و استعلاء عليه، إن كنت قلت هذا الشعر.
فامتنع عبد اللّه من الحلف بذلك، فغضب الرشيد و قال للفضل بن الربيع [4] : يا عباسي ما له لا يحلف إن كان صادقا؟هذا طيلساني عليّ، و هذه ثيابي لو حلّفني أنها لي لحلفت. فرفس الفضل بن الربيع عبد اللّه بن مصعب برجله و صاح به:
احلف ويحك-و كان له فيه هوى-فحلف باليمين و وجهه متغير و هو يرعد، فضرب يحيى بين كتفيه ثم قال: يابن مصعب قطعت و اللّه عمرك، و اللّه لا تفلح بعدها [5] .
فما برح من موضعه حتى أصابه الجذام فتقطع و مات في اليوم الثالث [6] .
[3] الشعر في العقد منسوب لسديف، و هو شاعر حجازي مقل من مخضرمي الدولتين، و كان شديد التعصب لبني هاشم مظهرا لذلك في أيام بني أمية، راجع ترجمته في الأغاني 14/162.
[4] توفي الفضل في سنة ثمان و مائتين، و ترجمته في ابن خلكان 1/412-413 و تاريخ بغداد 12/133- 134.
[5] في ابن أبي الحديد 4/353 بعد ذلك «قالوا: فما برح من موضعه حتى عرض له أعراض الجذام، استدارت عيناه، و تفقأ وجهه، و قام إلى بيته فتقطع و تشقق لحمه و انتثر شعره و مات بعد ثلاثة أيام» .