كانت في يده حججا له، فيقرؤها الرشيد و أطراف الكتب في يد يحيى، فتمثل بعض من حضر [1] :
أنّى أتيح له حرباء تنصبة # لا يرسل الساق إلاّ مرسلا ساقا [2]
فغضب الرشيد من ذلك و قال للمتمثل: أتؤيده و تنصره؟ قال: لا، و لكني شبهته في مناظرته و احتجاجه بقول هذا الشاعر.
ثم أقبل عليه فقال: دعني من هذا، يا يحيى أينا أحسن وجها أنا أو أنت؟ قال: بل أنت يا أمير المؤمنين، إنك لأنصع لونا و أحسن وجها.
قال: فأينا أكرم و أسخى، أنا أو أنت؟.
فقال: و ما هذا يا أمير المؤمنين، و ما تسألني عنه، أنت تجبي إليك خزائن الأرض و كنوزها، و أنا أتمحل معاشي من سنة إلى سنة.
قال: فأينا أقرب إلى رسول اللّه (ص) ، أنا أو أنت؟.
قال: قد أجبتك عن خطتين، فاعفني من هذه! قال: لا و اللّه. قال: بل فاعفني، فحلف بالطلاق و العتاق ألاّ يعفيه.
فقال: يا أمير المؤمنين لو عاش رسول اللّه (ص) و خطب إليك ابنتك أكنت تزوجه؟.
قال: إي و اللّه! قال: فلو عاش فخطب إليّ أ كان يحل لي أن أزوجه؟.
قال: لا قال: فهذا جواب ما سألت.
فغضب الرشيد و قام من مجلسه، و خرج الفضل بن ربيع و هو يقول:
لوددت أني فديت هذا المجلس بشطر ما أملكه.
قالوا: ثم ردّه إلى محبسه في يومه ذلك.
ثم دعا [3] به و جمع بينه و بين عبد اللّه بن مصعب الزبيري ليناظره فيما رفع إليه،
[1] في تاريخ بغداد 14/111 «لأنت أصغر من حرباء تنضبة» .
[2] في اللسان «قال أبو عبيد: و من الأشجار التنضب، واحدتها تنضبة، شجرة ضخمة تقطع منها العمد» .
[3] نقل ذلك ابن أبي الحديد 4/352.