و أقبل يسير و الحر يسايره و يمنعه من الرجوع من حيث جاء، و يمنع الحسين من دخول الكوفة، حتى نزل بأقساس مالك، و كتب الحر إلى عبيد اللّه يعلمه ذلك.
قال أبو مخنف: فحدّثني عبد الرحمن بن جندب، عن عتبة بن سمعان الكلبي، قال:
لما ارتحلنا من قصر ابن مقاتل، و سرنا ساعة خفق رأس الحسين خفقة ثم انتبه فأقبل يقول: إِنََّا لِلََّهِ، وَ إِنََّا إِلَيْهِ رََاجِعُونَ ، و اَلْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ اَلْعََالَمِينَ* مرتين. فأقبل إليه علي بن الحسين و هو على فرس فقال له: يا أبي جعلت فداك، مم استرجعت؟و علام حمدت اللّه؟قال الحسين: يا بني، إنه عرض لي فارس على فرس فقال: القوم يسيرون، و المنايا تسري إليهم، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا، فقال: يا أبتاه لا أراك اللّه سوءا أبدا، أ لسنا على الحق؟قال: بلى و الذي يرجع إليه العباد. فقال: يا أبت، فإذا لا نبالي، قال: جزاك اللّه خير ما جزى ولد عن والده [2] .
قال: و كان عبيد اللّه بن زياد-لعنه اللّه-قد ولّى عمر بن سعد الرّي، فلما بلغه الخبر وجّه إليه أن سر إلى الحسين أولا فاقتله، فإذا قتلته رجعت و مضيت إلى الرّي، فقال له: أعفني أيّها الأمير. قال: قد أعفيتك من ذلك، و من الريّ، قال: اتركني أنظر في أمري فتركه، فلما كان من الغد غدا عليه فوجه معه بالجيوش لقتال الحسين، فلما قاربه و تواقفوا قام الحسين في أصحابه خطيبا فقال [3] :
اللهم إنك تعلم أني لا أعلم أصحابا خيرا من أصحابي، و لا أهل بيت
[1] الزيادة من الطبري ليستقيم بها النص المحرف في الأصول و هو «فقال و اللّه لو غيرك يقول هذا و نكري و أكن لم أكن أذكر أمك إلاّ بخير الذكر» .
[2] مقتل الحسين 48 و الطبري 6/231 و الإرشاد 257 و ابن الأثير 4/22.