كان سعيد قد خرج مع القراء الذين خرجوا على الحجاج، و شهد دير الجماجم، فلما انهزم أصحاب ابن الأشعث هرب فلحق بمكة، فبقي زمانا طويلا. ثم ان خالد بن عبد اللَّه القسري- و كان واليا للوليد بن عبد الملك على مكة- أخذه فبعثه إلى الحجاج مع إسماعيل بن أوسط البجلي، فقال له: ما الّذي أخرجك؟ قال: كانت لابن الأشعث بيعة في عنقي، و عزم عليّ، فقال: رأيت لعدو اللَّه عزمة لم ترها للَّه و لا لأمير المؤمنين، و اللَّه لا أرفع قدمي [2] حتى أقتلك فأعجلك إلى النار سيف رعيب، فقام مسلم الأعور و معه سيف فضرب عنقه.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سلمان، قال: أخبرنا حمد بن أحمد الحداد، قال: أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد اللَّه الأصبهاني، قال: حدّثنا أبو حامد بن جبلة، قال: حدّثنا محمد بن إسحاق، قال: حدّثنا واصل بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا أبو بكر بن عباس، عن أبي حصين، قال:
أتيت سعيد بن جبير بمكة، فقلت: إن هذا الرجل قادم- يعني خالد بن عبد اللَّه- و لا آمنه عليك فأطعني و اخرج، فقال: و اللَّه لقد فررت حتى استحييت من اللَّه، قلت:
و اللَّه إني لأراك كما سمتك أمك سعيدا.
قال: فقدم مكة فأرسل إليه فأخذه. قال: فأخبرني يزيد بن عبد اللَّه قال: أتينا سعيد بن جبير حين جيء به، فإذا هو طيب النفس و بنيّة له في حجره فنظرت إلى القيد فبكت، قال: فشيعناه إلى باب الجسر، فقال له الحرس: أعطنا كفيك فإنا نخاف أن تغرق نفسك، قال: يزيد: فكنت فيمن كفل به.
قال محمد بن إسحاق: و حدّثنا محمد بن عبد العزيز الجزري [3]، قال: حدّثنا يحيى بن حسان، قال: حدّثنا صالح بن عمر، عن داود بن أبي هند، قال:
[1] تاريخ الطبري 6/ 487، البداية و النهاية 9/ 107.