نام کتاب : المنتظم في تاريخ الأمم و الملوك نویسنده : ابن الجوزي جلد : 6 صفحه : 160
إنما أنتم أهل قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً [مِنْ كُلِّ مَكانٍ] [1] فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ، فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ[2]، و آتاها و عيد القرى من ربها بسوء ما كسبت أيديهم ألا إن الأمور إذا استقرت لا يدركها إلا كل ذي لب برأيه، و إن خير الرأي ما هدى اللَّه به العبد، و راقبوا اللَّه و اعتصموا بحبله، و أعطوا القياد خلفاءكم و أمراءكم من قبل زوال النعمة، و لا تكونوا كالذين لا يعقلون، ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ أَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ[3]، فليعقل من كان له معقول، فقد أعذر من أنذر، فقد و اللَّه حلت بكم بائقة فيها بوائق تتلوها سطوة من سطوات اللَّه تجتاح الأموال، و تهريق الدماء، ثم لا تستطيعون عند ذلك غبرا، و لا تبدلون نعما.
لا تغروني يا قوم بكم، و لا تسهروني بعد رقدتي، فإنّي/ راض بما صفا لي منكم من علانيتكم، ما لم تكن حيلة في سواد هذه الدهماء، و لا تحملوني على أكتافكم بأحجاركم في رقابتكم، و في كل يوم ما الخبر، إن الحجاج ذو حسام باتر تجتلى به الأوصال، فكم له في كل حي من حرز إلا من استوثقت لنا طاعته، و خلصت لنا مودته، و دامت لنا مقته، فذاك منا و نحن منه، فأما من ركب الترهات و أخذ في النية بعد النية، فهيهات هيهات يا هيهات لأهل المعاصي و النفاق، ألا ترهبون، ويحكم أن تغير عليكم الخيل الملجمة فتترككم أمثال الرقاق المنتفخة المستوسقة الشائلة بأرجلها، ألا و إنّ نصلي سبك من دماء [أهل] العراق، فمن شاء فليحقن دمه، و من أبى أوسعت بالوعة الموت دمه، و فتتت للسباع لحمه، و قامت الرخم على شلوه، وضعت الدعارع بعجمه، فمهلا يا أهل العراق مهلا، فإن تميلي بقرن الصعاب، و بذل الرقاب، و لو قل العقاب و تستقل الحروب، أ لم تعلموا أني في الحروب ولدت، و فيها تلدت، و فيها فطمت، و فيها قطعت تمائمي، و بليت نواجذي، و صلع رأسي، أ فأنتم تجلجونني أن يكون ذلك حتى يجلجل صم الصناخيد التي هي للأرض أوتاد، و إني قد سست و ساسني السائسون، و أدبني المؤدبون.
[1] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.