و في زمان يزدجرد هذا هلك امرؤ القيس بن عمرو بن امرئ القيس، و استخلف مكانه ابنه النعمان بن امرئ القيس بن عمرو بن عدي، و هو صاحب الخورنق.
و كان سبب بناء الخورنق [2]: أن يزدجرد الأثيم كان لا يبقى له ولد [فولد له بهرام] [3] فسأل عن منزل صحيح من الأدواء و الأسقام. فدلّ على ظهر [4] الحيرة. فدفع ابنه بهرام جور إلى النّعمان هذا، و أمره ببناء الخورنق مسكنا له، و أنزله إياه، فبعث إلى الروم فأتي منها برجل مشهور بعمل الحصون و القصور للملوك يقال له: سنمّار، فكان يبني مدة يغيب [5]- يقصد بذلك أن يطمأن إلينا، فبناه في سنتين، فلما فرغ من بنائه صعد النعمان عليه و معه وزيره و سنمّار فرأى البر و البحر، و صيد الظبيان و الظباء و الحمير، و رأى صيد الحيتان و الطير، و سمع غناء الملاحين و أصوات الحدأة، فعجب بذلك إعجابا شديدا، و كان البحر حينئذ يضرب إلى النّجف، فقال له سنمّار متقربا إليه بالحذق و حسن الصنعة: إني لأعرف من هذا البناء موضع حجر لو زال لزال جميع البنيان. فقال: لا جرم لا رغبة، و لا يعلم مكان ذلك الحجر أحد. ثم أمر به فرمي من أعلى البنيان فتقطع [6].
و قيل: إنهم لما تعجّبوا من حسنه و إتقان عمله قال سنمار- [و كان قد جاءوا به من الروم لبنائه] [7]: لو علمت أنكم توفونني أجرتي و تصنعون لي ما أنا أهله بنيته بناء يدور مع الشمس حيثما دارت، فقال [8]: و إنّك لتقدر على أن تبني ما هو أفضل منه ثم لم تبنه! ثم أمر به فطرح من رأس الخورنق [فمات] [9] فكانت العرب تضرب بذلك مثلا [10] فتقول: [و كان] جزاء سنمار».