قال علماء السير: لمّا ملكت بلقيس جعل قومها يقتتلون على واديهم، فجعلت تنهاهم فلا يطيعونها فتركت ملكها و انطلقت إلى قصرها فنزلته، فلما كثر الشرّ بينهم و ندموا أتوها، فأرادوها على أن ترجع إلى ملكها فأبت، فقالوا: لترجعن أو لنقتلنك فقال: إنكم لا تطيعونني، و ليست لكم عقول، فقالوا: ها إنا نطيعك، فجاءت إلى واديهم، و كانوا إذا أمطروا أتاه السيل من مسيرة ثلاثة أيام، فأمرت به فسد ما بين الجبلين بمسناة، و حبست الماء عمن وراء السدّ، و جعلت له أبوابا بعضها فوق بعض و بنت لمن دونه بركة، و جعلت فيها اثني عشر مخرجا على عدد أنهارهم، فكان الماء يخرج بينهم بالسوية، و كانت لهم جنّتان عن يمين واديهم و عن شماله، فأخصبت أرضهم و كثرت فواكههم، و إن كانت المرأة لتمر بين الجنتين و المكتل على رأسها فترجع و قد امتلأ من التمر و ما مسّت بيدها شيئا منه و لم يكن يرى [3] في بلدهم حية و لا عقرب و لا بعوضة و لا ذباب و لا برغوث، و تمر العرب ببلدهم و في ثيابهم القمل فتموت القمل لطيب هوائها، و قيل لهم: كلوا من رزق ربكم و اشكروا له بلده طيبة- أي هذه بلده طيبة- و لم تكن سبخة و لا فيها ما يؤذي، و كانت ثلاث عشرة قرية، فبعث اللَّه إليهم ثلاثة عشر نبيا فكذّبوا الرسل، و لم يقروا بنعم اللَّه، فأرسل اللَّه عليهم سيل العرم- و العرم السكر و المسناة- بعث اللَّه سبحانه جرذا فنقبه من أسفله و أغرق به جناتهم، و خربت به أرضهم، فتبددوا في البلاد فصارت العرب تتمثل في الفرقة بسبإ [4]