نام کتاب : المنتظم في تاريخ الأمم و الملوك نویسنده : ابن الجوزي جلد : 16 صفحه : 304
146/ ب تعظيمه الصوفية فقال: أتاني صوفي و أنا في خدمة/ بعض الأمراء، فوعظني و قال:
اخدم من تنفعك خدمته، و لا تشتغل بما تأكله الكلاب غدا فلم أعرف معنى قوله، فشرب ذلك الأمير من الغد، و كانت له كلاب كالسباع تفرس الغرباء بالليل، فغلبه السكر و خرج وحده فلم تعرفه الكلاب فمزقته، فعلمت أن الرجل كوشف بذلك فأنا أطلب أمثاله.
و كان للنظام من المكرمات ما لا يحصى كلما سمع الأذان أمسك عما هو فيه، و كان يراعي أوقات الصلوات، و يصوم الاثنين و الخميس، و يكثر الصدقة، و كان له الحلم و الوقار و أحسن خلاله مراعاة العلماء، و تربية العلم، و بناء المدارس و المساجد و الرباطات و الوقوف عليها، و أثره العجيب ببغداد هذه المدرسة و سقوفها الموقوف عليها، و في كتاب شرطها أنها وقف على أصحاب الشافعيّ أصلا و فرعا، و كذلك الأملاك الموقوفة عليها شرط فيها أن يكون على أصحاب الشافعيّ أصلا و فرعا، و كذلك شرط في المدرس الّذي يكون بها و الواعظ الّذي يعظ بها و متولي الكتب، و شرط أن يكون فيها مقرئ القرآن، و نحوي يدرّس العربية، و فرض لكل قسطا من الوقف، و كان يطلق ببغداد كل سنة من الصلات مائتي كر، و ثمانية عشر ألف دينار.
و لما طالت ولايته تقررت قواعده قبل قدره، و لما عبر في جيحون [1] وقع للملاحين بأجرتهم على عامل أنطاكية بعشرة آلاف دينار، و ملك من الغلمان الأتراك ألوفا، و حدّث بمرو، و نيسابور، و الري، و أصبهان، و بغداد، و أملى في جامع المهدي، و في مدرسته، و كان يقول: إني لأعلم أني لست أهلا للرواية، و لكني أريد أن أربط نفسي على قطار النقلة لحديث/ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و سلم.
و حدّث عنه جماعة من شيوخنا منهم أبو الفضل الأرموي، و آخر من روى عنه أبو القاسم العكبريّ، و كان النظام يقول: كنت أتمنى أن يكون لي قرية و مسجد أتخلي فيه بطاعة ربي، ثم تمنيت بعد ذلك قطعة من الأرض بشربها أقوت برفعها، و أتخلى في مسجد في جبل، ثم الآن أتمنى أن يكون لي رغيف كل يوم و أتعبد [2] في مسجد.