فلو كان هذا كذا لم تكن * * * لتتركني نهزة للكرب
و أنت ببغداد ترعى بها * * * نبات اللذاذة مع من تحب
فيا من جفاني و لم أجفه * * * و يا من شجاني بما في الكتب
كتابك قد زادني صبوة * * * و أشعر قلبي بحرّ اللهب
فهبني نعم قد كتمت الهوى * * * فكيف بكتمان دمع سرب
و لو لا اتقاؤك يا سيدي * * * لوافتك بي الناجيات النحب
فلما قرأ الرشيد كتابها أنفذ من وقته خادما على البريد/ حتى حدروها [1] إلى بغداد في الفرات.
و روينا أن الرشيد غضب على عليّة، فأمرت أبا حفص الشطرنجي أن يقول شعرا يعتذر فيه عنها فقال:
لو كان يمنع حسن العقل صاحبه * * * من أن يكون له ذنب إلى أحد
كانت عليّة أيدي الناس كلهم * * * من أن تكافى بسوء آخر الأبد
ما لي إذا غبت لم أذكر بواحدة * * * و إن سقمت و طال القسم لم أعد
ما أعجب الشيء أرجوه فأكرمه * * * قد كنت أحسب أني قد ملأت يدي
فغنى بها الرشيد فأحضرها و قبّل رأسها و قال: لا أغضب عليك أبدا.
و قال عبد اللَّه بن الفضل بن الربيع: دخلت على أبي حفص الشطرنجي أعوده في علته التي مات فيها، فأنشدني لنفسه:
نعى لك ظل الشباب المشيب * * * و نادتك باسم سواك الخطوب
فكن مستعدا لداعي الفنا * * * فإن الّذي هو آت قريب
أ لسنا نرى شهوات النفوس * * * تفنى و تبقى علينا الذنوب
و قبلك داوى المريض الطبيب * * * فعاش المريض و مات الطبيب
يخاف على نفسه من يتوب * * * فكيف ترى حال من لا يتوب
[1] في ت: «حتى حدوها».