responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المنتظم في تاريخ الأمم و الملوك نویسنده : ابن الجوزي    جلد : 1  صفحه : 301

مشارق الأرض و مغاربها بلغ أرض بابل فمرض مرضا شديدا أشفق من مرضه أن يموت بعد ما دوّخ البلاد و جمع الأموال، فنزل بابل فدعا كاتبه، فقال: خفّف عليّ في الموتة بكتاب تكتبه إلى أمي تعزيها بي، و استعن ببعض علماء أهل فارس، ثم اقرأه [عليّ‌] [1]. فكتب الكتاب.

بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من الإسكندر بن قيصر رفيق أهل الأرض بجسده قليلا، و رفيق أهل السماء بروحه طويلا إلى أمه روقية ذات الصفاء التي لم تمتّع بثمرتها في دار القرب، و هي مجاورته عما قليل في دار البعد، يا أمتاه، يا ذات الحكمة [2] أسألك برحمتي و ودي و ولادتك إياي، هل وجدت لشي‌ء قرارا باقيا و خيالا دائما، أ لم تري إلى الشجرة كيف تنضر أغصانها و تخرج ثمرتها و تلتف أوراقها ثم لا يلبث الغصن أن يتهشم و الثمر أن يتساقط، و الورق أن يتباين؟! أ لم تري النبت الأزهر يصبح نضيرا ثم يمسي هشيما؟! أ لم تري إلى النهار المضي‌ء ثم يخلفه الليل المظلم؟! أ لم تري إلى القمر الزاهر ليلة بدره كيف يغشاه الكسوف؟! أ لم تري إلى شهب النار الموقدة ما أوشك ما تخمد؟! أ لم تري إلى عذب المياه الصافية ما أسرعها إلى البحور المتغيرة؟! أ لم تري إلى هذا الخلق كيف يعيش في الدنيا قد امتلأت منه الآفاق، و استعلت به الأشياء، و ولهت به الأبصار و القلوب؟! إنما هما شيئان: إما مولود و إما ميت، كلاهما مقرون بالفناء، أ لم تري أنه قيل لهذه الدار روحي بأهلك فإنك لست لهم بدار؟! يا واهبة الموت [3]، و يا موروثة الأحزان، و يا مفرقة بين الأحبة، و يا مخربة العمران، أ لم تري إلى كل مخلوق يجري على ما لا يدري؟ هل رأيت يا أماه معطيا لا يأخذ، و مقرضا لا يتقاضى، و مستودعا لا يسترد وديعته؟! يا أماه إن كان أحد بالبكاء حقيقا فلتبك السماء على نجومها، و لتبك الحيتان على بحورها و ليبك الجو على طائره، و لتبك الأرض على أولادها و النبت الّذي يخرج منها، و ليبك الإنسان على نفسه التي تموت في كل ساعة و عند كل طرفة. يا أمتاه إن الموت لا يعتقني [4] من أجل إني كنت عارفا أنه نازل بي، فلا


[1] ما بين المعقوفتين: من الهامش.

[2] في المرآة: «يا ذات الحلم».

[3] في المرآة: «يا والدة الموت».

[4] في المرآة: «الموت لا يدعني من أجل».

نام کتاب : المنتظم في تاريخ الأمم و الملوك نویسنده : ابن الجوزي    جلد : 1  صفحه : 301
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست