responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البدايه والنهايه - ط الفكر نویسنده : ابن كثير    جلد : 14  صفحه : 24
بُغَاةً عَلَى الْإِمَامِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا فِي طَاعَتِهِ فِي وَقْتٍ ثُمَّ خَالَفُوهُ. فَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَؤُلَاءِ مِنْ جِنْسِ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، وَرَأَوْا أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِالْأَمْرِ مِنْهُمَا، وَهَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِإِقَامَةِ الْحَقِّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَعِيبُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا هُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِهِ مِنَ الْمَعَاصِي وَالظُّلْمِ، وَهُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ، فَتَفَطَّنَ الْعُلَمَاءُ وَالنَّاسُ لِذَلِكَ، وَكَانَ يَقُولُ لِلنَّاسِ: إِذَا رَأَيْتُمُونِي مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ وَعَلَى رَأْسِي مُصْحَفٌ فَاقْتُلُونِي، فَتَشَجَّعَ النَّاسُ فِي قِتَالِ التَّتَارِ وَقَوِيَتْ قُلُوبُهُمْ وَنِيَّاتُهُمْ وللَّه الْحَمْدُ.
وَلَمَّا كَانَ يوم الرابع وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ خَرَجَتِ الْعَسَاكِرُ الشَّامِيَّةُ فَخَيَّمَتْ عَلَى الْجُسُورَةِ مِنْ نَاحِيَةِ الْكُسْوَةِ، وَمَعَهُمُ الْقُضَاةُ، فَصَارَ النَّاسُ فِيهِمْ فَرِيقَيْنِ فَرِيقٌ يَقُولُونَ إِنَّمَا سَارُوا لِيَخْتَارُوا مَوْضِعًا لِلْقِتَالِ فَإِنَّ الْمَرْجَ فِيهِ مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ مَعَهَا الْقِتَالَ، وَقَالَ فريق: إنما ساروا لتلك الْجِهَةِ لِيَهْرُبُوا وَلِيَلْحَقُوا بِالسُّلْطَانِ. فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْخَمِيسِ سَارُوا إِلَى نَاحِيَةِ الْكُسْوَةِ فَقَوِيَتْ ظُنُونُ النَّاسِ فِي هَرَبِهِمْ، وَقَدْ وَصَلَتِ التَّتَارُ إِلَى قارة، وقيل إنهم وصلوا إلى القطيعة، فانزعج الناس لذلك شديدا ولم يبق حول القرى والحواضر أحد، وامتلأت القلعة والبلد وَازْدَحَمَتِ الْمَنَازِلُ وَالطُّرُقَاتُ، وَاضْطَرَبَ النَّاسُ وَخَرَجَ الشَّيْخُ تقى الدين بن تَيْمِيَّةَ صَبِيحَةَ يَوْمِ الْخَمِيسِ مِنَ الشَّهْرِ الْمَذْكُورِ مِنْ بَابِ النَّصْرِ بِمَشَقَّةٍ كَبِيرَةٍ، وَصَحِبَتْهُ جَمَاعَةٌ لِيَشْهَدَ الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ وَمَنْ مَعَهُ، فَظَنُّوا أَنَّهُ إنما خرج هاربا فحصل اللوم مِنْ بَعْضِ النَّاسِ وَقَالُوا أَنْتَ مَنَعْتَنَا مِنَ الْجَفْلِ وَهَا أَنْتَ هَارِبٌ مِنَ الْبَلَدِ؟ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ وَبَقِيَ الْبَلَدُ لَيْسَ فِيهِ حَاكَمٌ، وجاس اللُّصُوصُ وَالْحَرَافِيشُ فِيهِ وَفِي بَسَاتِينِ النَّاسِ يُخَرِّبُونَ وينتهبون مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ، وَيَقْطَعُونَ الْمِشْمِشَ قَبْلَ أَوَانِهِ والباقلاء والقمح وَسَائِرُ الْخُضْرَاوَاتِ، وَحِيلَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ خَبَرِ الْجَيْشِ، وَانْقَطَعَتِ الطُّرُقُ إِلَى الْكُسْوَةِ وَظَهَرَتِ الْوَحْشَةُ عَلَى الْبَلَدِ وَالْحَوَاضِرِ، وَلَيْسَ لِلنَّاسِ شُغُلٌ غَيْرُ الصُّعُودِ إِلَى الْمَآذِنِ يَنْظُرُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَإِلَى نَاحِيَةِ الْكُسْوَةِ فَتَارَةً يَقُولُونَ: رَأَيْنَا غَبَرَةً فَيَخَافُونَ أن تكون من التتر، ويتعجبون من الجيش مع كثرتهم وجودة عدتهم وعددهم، أين ذهبوا؟ فلا يَدْرُونَ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِهِمْ، فَانْقَطَعَتِ الْآمَالُ وَأَلَحَّ النَّاسُ فِي الدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ وَفِي الصَّلَوَاتِ وَفِي كُلِّ حَالٍ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْخَمِيسِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ، وَكَانَ النَّاسُ فِي خَوْفٍ وَرُعْبٍ لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ، لَكِنْ كَانَ الْفَرَجُ من ذلك قريبا، ولكن أكثرهم لا يفلحون، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي رَزِينٍ «عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ غِيَرِهِ يَنْظُرُ إِلَيْكُمْ أَزِلِينَ قَنِطِينَ فَيَظَلُّ يَضْحَكُ يَعْلَمُ أَنَّ فَرَجَكُمْ قَرِيبٌ [1] » .
فَلَمَّا كَانَ آخِرُ هَذَا الْيَوْمِ وَصَلَ الْأَمِيرُ فَخْرُ الدِّينِ أَيَاسٌ الْمَرْقَبِيُّ أَحَدُ أمراء دمشق، فبشر الناس بخير، هو أن السلطان قد وصل وقت اجْتَمَعَتِ الْعَسَاكِرُ الْمِصْرِيَّةُ وَالشَّامِيَّةُ، وَقَدْ أَرْسَلَنِي أَكْشِفُ هل طرق

[1] في سنن ابن ماجة في كتاب السنة «ضحك ربنا إلخ» والأزل: شدة القنوط.
نام کتاب : البدايه والنهايه - ط الفكر نویسنده : ابن كثير    جلد : 14  صفحه : 24
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست