فأما خليد بن كأس فإنه لما دنا من خراسان بلغه أن أهل نيسابور خلعوا يدا من طاعة ، وأنه قدمت عليهم بنت لكسرى من كابل ، فمالوا معها ، فقاتلهم خليد ، فهزمهم ، وأخذ ابنة كسرى بأمان ، وبعث بها إلى علي . فلما أدخلت عليه ، قال لها : ( أتحبين أن أزوجك من ابني هذا ؟ ) يعني الحسن ، قالت : ( لا أتزوج أحدا على رأسه أحد ، فإن أنت أحببت رضيت بك ) ، قال : ( إني شيخ ، وابني هذا من فضله كذا وكذا ) ، قالت : ( قد أعطيتك الجملة ) . فقام رجل من عظماء دهاقين العراق ، يسمى نرسى ، فقال : ( يا أمير المؤمنين ، قد بلغك أني من سنخ [1] المملكة ، وأنا قرابتها ، فزوجنيها ) فقال : ( هي أملك بنفسها ) ، ثم قال لها : ( انطلقي حيث شئت ، وانكحي من أحببت ، لا بأس عليك ) . واستعمل على الموصل ، ونصيبين ، ودارا ، وسنجار ، وآمد ، وميا فارقين ، وهيت ، وعانات ، وما غلب عليها من أرض الشام الأشتر ، فسار إليها ، فلقيه الضحاك بن قيس الفهري ، وكان عليها من قبل معاوية بن أبي سفيان ، فاقتتلوا بين حران [2] والرقة [3] بموضع يقال له المرج إلى وقت المساء . وبلغ ذلك معاوية ، فأمد الضحاك بعبد الرحمن بن خالد بن الوليد في خيل عظيمة ، وبلغ ذلك الأشتر ، فانصرف إلى الموصل ، فأقام بها يقاتل من أتاه من أجناد معاوية ، ثم كانت وقعة صفين .
[1] السنخ : الأصل من كل شئ . [2] حران : مدينة قديمة فيما بين النهرين ، قاعدة بلاد مضر ، فتحها العرب على يد عياض ابن غنم سنة 639 م ، وقد اشتهرت بالفلاسفة والعلماء أمثال ثابت بن قرة والبتاني [3] الرقة : قاعدة ديار مضر في الجزيرة على الفرات ، وعندما قطع علي بن أبي طالب نهر الفرات في وقعة صفين سنة 656 م ، وفيها آثار قديمة .