وأمامك علم الطبّ ; فقد تشعّب وانقسم عدّة شعبات من كثرة المباحث وغزارة المسائل ، حتّى أنّ الرجل لايتمكّن اليوم من الإحاطة بكلّ مسائله أو جلّها ، بل يتخصّص في بعض نواحيه ، بعد ما كان جميع مسائله مجتمعاً في كتاب ، وكان من المرسوم الدائر قيام الرجل الواحد بمداواة جميع الأمراض والعلل . وهذا هو الفقه ; فانظر تطوّره وتكامله من زمن الصدوقين إلى عصورنا الحاضرة .
اعتبارية وحدة العلوم
ثمّ إنّ وحدة العلوم ليست وحدة حقيقية ، بل وحدة اعتبارية ; لامتناع حصول الوحدة الحقيقية التي هي مساوقة للوجود الحقيقي من القضايا المتعدّدة ; لأنّ المركّب من جزئين أو أجزاء ليس موجوداً آخر وراء ما تركّب منه . اللهمّ إلاّ إذا حصل الكسر والانكسار ، وأخذت الأجزاء صورة على حدة غير موجودة في نفسها ، وهو الذي يعبّر عنه بالمركّب الحقيقي .
أضف إليه أنّ سنخ وحدة العلم تابع لسنخ وجوده ـ بل عينه على وجه دقيق ـ وليس العلم إلاّ عدّة قضايا متشتّتة ، ولهذه المتشتّتات ارتباط خاصّ وسنخية واحدة وخصوصية فاردة ، لأجلها قام العقلاء بتدوينها ، وعدّوها شيئاً واحداً ; فهي في عين تكثّرها واحد بالاعتبار ، ولأجله تجمع في كتاب أو رسالة ; لكي يبحث عنه في الجوامع ، وليس موجوداً واحداً مشخّصاً وراء الاعتبار ; فيكون ذا صورة ومادّة ، أو جنس وفصل ; حتّى يتقوّم ماهيته بالوجود الحقيقي .
نسبة موضوع المسائل إلى موضوع العلم
ثمّ إنّ ما اشتهر في الألسن ، وتلقّاه الأعلام بالقبول ; من أنّ قضايا العلوم