الفتيا مبنى على غفلتهم عن هذا المعنى , و
تخيلهم ان فن الفقه كسائر الفنون يقل فيه الخطاء , او على وجود دليل شرعى وصل من
السلف الى الخلف و حينئذ يصير الرجوع امرا تعبديا لا عقلائيا .
فان قلت : ان اخطاء الفقهاء و ان كانت كثيرة
فى حد نفسه , بحيث لو جمعت من اول الفقه الى آخره , امكن تدوين فقه غير صحيح , الا
ان اخطاء كل واحد منهم قليلة بالنسبة الى آرائه المطابقة للواقع , فلو لا حظت عامة
فتواه وضممت الموارد بعضها الى بعض , ترى الانسان قلة خطأه بالنسبة الى ما اصاب .
قلت : هذا غير صحيح اذا نرى بالوجدان كثرة
اختلافهم في باب واحد من ابواب الفقه فلا محالة يكون الاراء جميعا او غير واحد
منهما مخالفا للواقع و كثرة الاختلاف دليل على كثرة الخطاء .
و ربما يقال : ما هذا محصله : ان المطلوب
للعقلاء فى باب الاحتجاجات بين الموالى و العبيد , انما هو قيام الحجة و سقوط
التكليف و العقاب باى وجه اتفق , و الرجوع الى الفقهاء موجب لذلك , لانهم مع
اختلافهم فى الرأى مشتركون فى عدم الخطاء فى الاجتهاد , و لا ينافى ذلك الاختلاف
فى الرأي لامكان عثور احدهما على حجة في غير مظانها او على اصل من الاصول المعتمدة
, و لم يعثر الاخر عليهما مع بذله الجهد , فلا يكون واحد منهما مخطئا فى اجتهاده ,
بل له و لغيره العمل برأيه و رجوع العقلاء اليهم لا جل قيام الحجة و العذر لهم لا
لاجل اصابتهم الواقع , و واضح من ذلك لو قلنا بجعل المماثل فى مفاد الامارات .
و فيه اولا : انه ان اراد من عدم خطائهما ,
عدم تقصيرهما فى تحصيل الحكم الشرعى فمسلم , لكن لا يجديه . و ان اراد منه عدم
خطائهما فى نفس الحكم الشرعى فواضح الخطاء , لان واحدا منهما مخالف للواقع , فاذا
اتسع نطاق الخلاف , و وقفنا علي اختلافهما فى موارد كثيرة من المسائل , لا يصح
الرجوع الى كل واحد حتى فيما اتفقا عليه من الفتاوى للاعتداد باحتمال الخطاء حينئذ
, انقداح الشك و الريب فى عامة ما افتى به و لا يتحقق بناء العقلاء علي الغاء
الخلاف و احتمال الخطاء عندئذ