ويرد على هذا الوجه : إن النهى عبارة عن
الخطاب الشرعى الكاشف عن التحريم ، وليس هو التحريم نفسه. والتضاد نفسه لا
يقتضى تعليق أحد الضدين على عدم الضد الاخر ، ولكن لا محذور فى أن توجد نكتة
احيانا تقتضى إناطة حكم بعدم الكاشف عن الحكم المضاد له ، ومرجع ذلك فى المقام إلى
أن تكون فعلية الحرمة بمبادئها منوطة بصدور الخطاب الشرعى الدال عليها ، نظير ما
قيل من أن العلم بالحكم من طريق مخصوص يؤخذ فى موضوعه.
الثانى : إن الورود يستبطن دائما حيثية
الوصول ، ولهذا لا يتصور بدون مورود عليه. ولكن هذا المقدار
لا يكفى أيضا ، إذ يكفى لاإشباع هذه الحيثية ملاحظة نفس المتعلق مورودا عليه ،
فالاستدلال بالرواية إذن غير تام ، وعليه فلا أثر للحديث عن النقطة الثانية.
ومنها : حديث الرفع المروى عن النبى صلى
الله عليه وآله.
ونصه : « رفع عن امتى تسعة : الخطأ ، والنسيان ، وما أكرهوا عليه ، وما لا يعلمون
، وما لا يطيقون ، وما اظهروا اليه ، والحسد ، والطيرة ، والتفكر فى الوسوسة فى
الخلق ، ما لم ينطق بشفة » [١]. والبحث حول هذا
الحديث يقع على ثلاث مراحل :
المرحلة الاولى : فى فقه الحديث على وجه
الاجمال.
والنقطة المهمة فى هذه المرحلة تصوير الرفع الوارد فيه فانه لا يخلو عن اشكال ، لوضوح
إن كثيرا مما فرض رفعه فى الحديث امور تكوينية ثابتة وجدانا. ومن هنا
[١] جامع احاديث
الشيعة : باب ٨ من ابواب المقدمات ح ٣ج ١ ص ٣٢٦.