ونحن إذا دقّقنا
في الجملة الناقصة وفي الحروف من قبيل « من » و « إلى » نجد أنّها جميعاً تدلّ على
نسبٍ ناقصةٍ لا يصحّ السكوت عليها ، فكما لا يجوز أن تقول : « المفيد العالم » وتسكت
، كذلك لا يجوز أن تقول : « السير من البصرة » وتسكت ، وهذا يعني أنّ مفردات
الحروف وهيئات الجمل الناقصة كلّها تدلّ على نسبٍ اندماجية ، خلافاً لهيئة الجملة
التامّة فإنّ مدلولها نسبة غير اندماجية ، سواء كانت جملةً فعليةً أو اسمية.
المدلول اللغويّ والمدلول التصديقي :
قلنا سابقاً [١] : إنّ دلالة
اللفظ على المعنى هي أن يؤدّي تصوّر اللفظ إلى تصور المعنى ، ويسمّى اللفظ « دالاًّ
» والمعنى الذي نتصوّره عند سماع اللفظ « مدلولاً ».
وهذه الدلالة
لغوية ، ونقصد بذلك : أنّها تنشأ عن طريق وضع اللفظ للمعنى ؛ لأنّ الوضع يوجد
علاقة السببية بين تصوّر اللفظ وتصوّر المعنى ، وعلى أساس هذه العلاقة تنشأ تلك
الدلالة اللغوية ، ومدلولها هو المعنى اللغويّ لِلَّفظ.
ولا تنفكّ هذه
الدلالة عن اللفظ مهما سمعناه ومن أيِّ مصدر كان ، فجملة « الحقّ منتصر » إذا
سمعناها انتقل ذهننا فوراً إلى مدلولها اللغوي ، سواء سمعناها من متحدِّثٍ واعٍ ،
أو من نائمٍ في حالة عدم وعيه ، وحتّى لو سمعناها نتيجةً لاحتكاك حجرين ، فنتصوّر
معنى كلمة « الحقّ » ونتصور معنى كلمة « منتصر » ، ونتصوّر النسبة التامّة التي
وضعت هيئة الجملة لها ، وتسمّى هذه الدلالة لأجل ذلك « دلالة تصورية ».