فَلَمَّا خَشِيَ أَنْ يُرْهِقَهُ صَعِدَ فِي نَخْلَةٍ وَصَعِدَ عَلِيٌّ عليه السلام فِي أَثَرِهِ فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ رَمَى جَرِيحٌّ بِنَفْسِهِ مِنْ فَوْقِ النَّخْلَةِ فَبَدَتْ عَوْرَتُهُ.
فَإِذَا لَيْسَ لَهُ مَا لِلرِّجَالِ وَمَا لِلنِّسَاءِ فَانْصَرَفَ عَلِيٌّ عليه السلام إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه واله فَقَالَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللهِ إِذَا بَعَثْتَنِي فِي الْأَمْرِ أَكُونُ فِيهِ كَالْمِسْمَارِ المُحْمَى فِي النَّارِ أَمْ أَثَّبَّتُ؟ فَقَالَ : تَثَبَّتْ.
فَقَالَ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا لَهُ مَا لِلرِّجَالِ وَلَا مَا لِلنِّسَاءِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه واله الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَرَفَ عَنَّا السُّوءَ أَهْلَ الْبَيْتِ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ فَأَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه واله فَقَالَ صلى الله عليه واله لَهُ : مَا شَأْنُكَ يَا جَرِيحُ؟ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ الْقِبْطُ يُحِبُّونَ حَشَمَهُمْ وَمَنْ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِهِمْ.
وَالقِبْطِيُّونَ لَا يَسْتَأْنِسُونَ إِلَّا بِالْقِبْطِيِّينَ فَبَعَثَنِي أَبُوهَا لِأَدْخُلَ عَلَيْهَا وَأُونِسَهَا.
فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) [ ٤٩ / ٦ ] الآية.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللهِ : الْمُرَادُ بِالْإِفْكِ مَا أُفِكَ بِهِ عَلَى عَائِشَةَ وَصَفْوَانَ بْنِ الْمِعَطَّلِ.
وَكَانَ سَبَبُ نُزُولِ الْإِفْكِ أَنْ عَائِشَةَ ضَاعَ عَقْدَهَا فِي غَزَاةِ الْمُصْطَلَقِ.
وَكَانَتْ قَدْ خَرَجَتْ مِنْ هَوْدَجِهَا لِقَضَاءِ حَاجَةٍ فَرَجَعَتْ طَالِبَةً لَهُ.
وَحَمَلَ بَعِيرَهَا عَلَى هَوْدَجِهَا ظَنّاً مِنْهُمْ أَنَّهَا فِيهِ فَلَمَّا عَادَتْ إِلَى الْمَوْضِعِ وَجَدَتْهُمْ قَدْ رَحَلُوا.
وَكَانَ صَفْوَانُ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَعَرَفَهَا أَنَاخَ بَعِيرَهُ حَتَّى رَكِبَتْهُ وَهُوَ يَسُوقُهُ حَتَّى أَتَى الْجَيْشَ وَقَدْ نَزَلُوا.
فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ تِلْكَ الْعَقَبَةِ يَشِيعُ فِي النَّاسِ وَيَقُولُ امْرَأَةُ نَبِيِّكُمْ بَاتَتْ مَعَ رَجُلٍ حَتَّى أَصْبَحَتْ ثُمَّ جَاءَ يَقُودُهَا.
وَاللهِ مَا نَجَتْ مِنْهُ وَلَا نَجَا مِنْهَا.
قال والخطاب في قوله ( هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) لعائشة وصفوان لأنهما المقصودان بالإفك ولمن شاء ذلك من المؤمنين.