وقد مر البحث
عنه ، ونذكر مزيد بحث وهو أن النَّفْسَ
الإنسانية ـ على ما
حققه بعض المتبحرين ـ واقعة بين القوة الشهوانية والقوة العاقلة فبالأولى يحرص على
تناول اللذات البدنية البهيمية كالغذاء والسفاد والتغالب وسائر اللذات العاجلة
الفانية ، وبالأخرى يحرص على تناول العلوم الحقيقية والخصال الحميدة المؤدية إلى
السعادة الباقية أبد الآبدين ، وإلى هاتين القوتين أشار تعالى بقوله ( وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ) وقوله تعالى ( إِنَّا هَدَيْناهُ
السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) فإن جعلت أيها الإنسان الشهوة منقادة للعقل فقد فزت
فوزا عظيما واهتديت صراطا مستقيما ، وإن سلطت الشهوة على العقل وجعلته منقادا لها
ساعيا في استنباط الحيل المؤدية إلى مراداتها هلكت يقينا وخسرت خسرانا مبينا.
واعلم أن النَّفْسَ إذا تابعت القوة الشهوية سميت « بهيمية » ، وإذا تابعت
الغضبية سميت « سبعية » ، وإن جعلت رذائل الأخلاق لها ملكة سميت « شيطانية » وسمى
الله تعالى هذه الجملة في التنزيل « نَفْساً أمارة بالسوء » إن كانت رذائلها ثابتة ، وإن لم تكن
ثابتة بل تكون مائلة إلى الشر تارة وإلى الخير أخرى وتندم على الشر وتلوم عليه
سماها « لوامة » ، وإن كانت منقادة للعقل العملي سماها « مطمئنة » ، والمعين على
هذه المتابعات قطع العلائق البدنية كما قال بعضهم :