وبذلك يتّضح الجواب في سبب وضع هذا
الحديث ، والسبب الذي من أجله تشدّدوا في الأحكام التي استنبطوها منه ، وأنّه ليس
ورعاً منهم في الدين ، بل حتّى يبعدوا المسلمين عن رسول الله وأهل بيته ، وعن ذكر
فضائلهم وضرورة اتّباعهم والاقتداء بهديهم ونهج صراطهم المستقيم.
لكن واضعي الحديث
وقعوا في إشكال كبير عند إجازة شدّ الرحال إلى مسجد رسول الله ، فإنّ المسجد
النبويّ الشريف يحوي قبر رسول الله ، وبيته ، وبيت أمير المؤمنين عليّ ، والسيّدة
فاطمة الزهراء ، عليهمالسلام
، وإلى جانب المسجد تقع مقبرة البقيع ، التي تتشرّف بوجود أجساد عدد من الأئمّة
المعصومين فيها ( الإمام الحسن بن علي ، والإمام عليّ بن الحسين ، والإمام محمّد
بن عليّ الباقر ، والإمام جعفر بن محمّد الصادق ، عليهمالسلام
) كما أنّ مرقد سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء يقع إمّا في البقيع أو داخل
المسجد على اختلاف في الروايات ، وهناك الكثير من الآثار التي تحكي معاناة رسول
الله وأهل بيته في سبيل الدعوة إلى الله تعالى وإلى الصراط المستقيم.
وحتّى يخرجوا من هذا المأزق ، تشدّدوا
في تحريم زيارة القبور وتحريم زيارة قبر رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فقاموا بوضع الأحاديث التي تنهى عن زيارة القبور ، وتحرّم التوسّل إلى الله
برسول الله ، ونهوا عن زيارة رسول الله ، وأفتوا الفتاوى المتشدّدة التي منعت
المسلمين من تلك الزيارات المباركة ، حتّى يخرجوا من مأزق حديث شدّ الرحال الذي
وضعوا أنفسهم فيه ، ويجب أن يُعلم أنّ كلّ تلك التناقضات لهي أكبر دليل على أنّ
الحديث المذكور وأشباهه لم تصدر من رسول الله؛ لأنّ كلام رسول الله لا يتناقض مع نفسه
ولامع كلام الله تعالى.