لقد دلّت الألفاظ العديدة من حديث
الغدير ـ كبعض الأحاديث الأخرى ـ على أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
كان يخشى من تكذيب القوم إيّاه ، فقد عرفت سابقا صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث : «
رأيت الناس حديثي عهد بكفر ومتى أفعل هذا به يقولون صنع هذا بابن عمّه » [١]. وقوله
في حديث آخر : « وعرفت أن الناس
مكذّبيّ » [٢]. وقوله
في ثالث : « يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع
يجتمع علي الناس » [٣]. ومن هنا تتضّح المناسبة التامّة بين دعائه صلىاللهعليهوآلهوسلم لمن والى عليا
وعلى من عاداه ، وبين إمامته عليه الصلاة والسلام.
قال الحافظ محب
الدين الطبري في الجواب عن حديث
« علي مني وأنا منه وهو ولي كلّ مؤمن بعدي » قال : « وأما الحديث الثالث. فقوله : فتعين حمل المولى على
الناصر والمتولي الى آخر ما قرر. قلنا : الجواب عنه من وجهين ، الأول ـ القول
بالموجب على المعنيين مع البيان بأنه لا دليل لكم فيه ، أما على معنى الناصر فلما
بيّناه في الحديث قبله ، وأما بمعنى المتولي فقد كان ذلك وان كان بعد من كان بعده
، إذ يصدق عليه بعده حقيقة. ومثل هذا قد ورد. وسيأتي في مناقب عثمان أن النبي رأى
في منامه حورية فقال لها : من أنت؟ قالت : للخليفة من بعدك عثمان.
ويكون فائدة ذلك
التنبيه على فضيلته ، والأمر بالتمرن على محبته ، فإنه سيلي عليكم ويتولّى أمركم
ومن يتوقع إمرته ، فالأولى أن يموت القلب على موّدته ومحبته ومجانبة بغضه ، ليكون
أدعى على الانقياد وأسرع للطواعية وأبعد من الخلف. ويشهد ذلك : إن هذا القول يعني إنّ
عليا منّي وأنا منه وهو وليّ كل مؤمن بعدي ، صدر حين وقع فيه من وقع ، وأظهر بغضه من أظهر ، على ما تضمّنه