وعملهم مبرورا ،
استعنت بالمعبود وشرعت في المقصود ، معترفا بالعجز والقصور في هذا الفن وفي سائر
الفنون ، لا كمن هو بابنه وشعره مفتون ، كيف وقد قال عز من قائل ( وَما
أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً )؟ وكفى بالله وليا
وكفى بالله وكيلا.
ولمّا كان التفسير
الكبير المنسوب إلى الامام الأفضل والهمام الأمثل ، الحبر النحرير والبحر الغزير ،
الجامع بين المعقول والمنقول ، الفائز بالفروع والأصول ، أفضل المتأخرين ، فخر
الملة والحق والدين ، محمّد بن عمر بن الحسين الخطيب الرازي ، تغمّده الله برضوانه
وأسكنه بحبوحة جنانه ، اسمه مطابق لمسماه ، وفيه من اللطائف والبحوث ما لا يحصى ،
ومن الزوائد والنيوث ما لا يخفى ، فإنه قد بذل مجهوده ونثل موجودة حتى عسر كتبه
على الطالبين ، وأعوز تحصيله على الراغبين.
حاذيت سياق مرامه
وأوردت حاصل كلامه ، وقربت مسالك أقدامه ، والتقطت عقود نظامه ، من غير إخلال بشيء
من الفوائد ، وإهمال لما يعدّ من اللطائف والعوائد ، وضممت إليه ما وجدت في الكشاف
وفي سائر التفاسير من اللطائف المهمات ، ورزقني الله تعالى من البضاعة المزجاة ،
وأثبت القراآت المعتبرات والوقوف المعللات ، ثم التفسير المشتمل على المباحث
اللفظيات والمعنويات ، مع إصلاح ما يجب إصلاحه ، وإتمام ما ينبغي إتمامه ، من
المسائل الموردة في التفسير الكبير والاعتراضات ، ومع كلّ ما يوجد في الكشاف من
المواضع المعضلات ، سوى الأبيات المعقّدات ، فإن ذلك يوردها من ظنّ أن تصحيح
القراآت وغرائب القرآن إنما يكون بالأمثال والمستشهدات ، كلاّ ، فإنّ القرآن حجة
على غيره وليس غيره حجة عليه ، فلا علينا أن نقتصر في غرائب القرآن على تفسيرها
بالألفاظ المشتهرات ، وعلى إيراد بعض المتجانسات التي تعرف منها أصول الاشتقاقات ،
وذكرت طرفا من الإشارات المقنعات ، والتأويلات الممكنات ، والحكايات المبكيات ،
والمواعظ الرداعة عن المنهيات ، الباعثة على أداء الواجبات.