أعلم أنه لا يساجل
الحافظ أبا القاسم في شأنه أحد ، فلو خالق الناس ومازجهم كما ينبغي [ أصنع ] إذا
لاجتمع عليه الموافق والمخالف ، وقال لي يوما : أي شيء فتح له؟ وكيف الناس له؟ قلت
: هو بعيد من هذا كلّه ، لم يشتغل منذ أربعين سنة إلاّ بالجمع والتسميع حتى في
نزهته وخلواته ، قال : الحمد لله هذا ثمرة العلم ، إلاّ أنا حصل لنا [ من ] هذا
المسجد والدار والكتب تدل على قلة حظ أهل العلم في بلادكم. ثم قال : ما كان يسمى
أبو القاسم إلاّ شعلة نار ببغداد من ذكائه وتوقده وحسن إدراكه.
قال أبو المواهب :
كنت أذاكر أبا القاسم الحافظ عن الحفّاظ الذين لقيهم. فقال : أما بغداد فأبو عامر
العبدري ، وأما أصبهان فأبو نصر اليونارتي لكن اسماعيل بن محمّد الحافظ كان أشهر.
فقلت : فعلى هذا ما كان رأى سيدنا مثل نفسه. قال : لا تقل هذا قال الله : ( فَلا
تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ) قلت : فقد قال [ الله تعالى ] ( أَمَّا
بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ). فقال : لو قال قائل : إن عيني لم تر مثلي لصدق.
ثم قال أبو
المواهب : لم أر مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه ، من لزوم طريقة واحدة مدة
أربعين سنة ، من لزوم الصلوات في الصف الأول إلاّ من عذر ، والاعتكاف في رمضان
وعشر ذي الحجة ، وعدم التطلع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور ، قد أسقط ذلك عن نفسه
، وأعرض عن طلب المناصب من الامامة والخطابة ، وأباها بعد أن عرضت عليه ...
وكان شيخنا أبو
الحجاج يميل إلى أن ابن عساكر ما رأى حافظا مثل نفسه.
قال الحافظ عبد
القادر : ما رأيت أحفظ من ابن عساكر.
وقال ابن النجار :
أبو القاسم إمام المحدّثين في وقته ، انتهت إليه الرياسة في الحفظ والإتقان والنقل
والمعرفة التامة وبه ختم هذا الشأن. فقرأت بخط الحافظ معمر بن الفاخر في معجمه أنا
الحافظ أبو القاسم الدمشقي ـ بمنى ـ وكان أحفظ من رأيت من طلبة الحديث والشبان.
وكان شيخنا اسماعيل بن محمّد الامام