لقد أخفق فى دراسة علم الكلام ، ولكنه كان يحب أن يشتهر بالاعتزال والفلسفة ، وليس له فيهما قدم.
وأما تظاهره بذلك ، فإنما كان تقربا للمأمون. فإنه ما كان أحد يتقرب منه إلا إذا كانت له ميول اعتزالية ، ومرن لسانه على استعمال مصطلحات فلسفية.
ومع إخفاقه فى علم الكلام ، فإنه برع فى علوم كثيرة ، يقول ثمامة بن اشرس ـ وهو من أئمة المعتزلة ، وكان مقربا من المأمون ـ يقول عن الفراء :
رأيت له أبهة أدب فجلست إليه ، فناقشته عن اللغة ، فوجدته بحرا وعن النحو ، فشاهدته نسيجا وحده ، وعن الفقه : فوجدته فقيها عارفا باختلاف القوم ، وفى النجوم : ماهرا ، وبالطب : خبيرا ، وبايام العرب واشعارها : حاذقا.
واشتهر الفراء وذاع صيته ، فاستدعاه الرشيد ، وأنس له ، وجنى الفراء من وراء ذلك ثروة ومنزلة فألف التردد على أبواب الأمراء والملوك فقد اتصل بالمأمون ، ويروى المؤرخون له أن المأمون عهد إليه أن يؤلف ما يجمع به أصول النحو ، وما سمع من العرب ، فأمر أن تفرد له حجرة من حجر الدار. ووكل بها جوارى ، وخدما للقيام بما يحتاج إليه حتى لا يتعلق قلبه ، ولا تتشوق نفسه إلى شىء حتى أنهم كانوا يؤذنونه بأوقات الصلاة ، وصير له الوراقين ، والزمه الأمناء والمنفقين ، فكان الوراقون يكتبون حتى صنف كتاب الحدود ، وأمره المأمون بكتبه فى الخزائن.
وأنس المأمون به كما أنس الرشيد ، وأدناه المأمون إلى درجة أن وكل إليه تعليم أبنائه ومع أنه كان يتردد على أبواب الأمراء والوجهاء والملوك ، فقد كانت له ميزات حسنة نذكر منها :
أنه كان متقشفا بطبيعته ، وكان المال الذى يأتيه فى أثناء العام يجمعه إلى موعد معين يفارق فيه بغداد إلى الكوفة ، حيث أهله وعشيرته فيمكث بالكوفة