وقال المحقق
الطوسي قدسسره : التفكر سير الباطن من المبادئ إلى المقاصد وهو قريب من النظر ولا يرتقي أحد
من النقص إلى الكمال إلا بهذا السير ومباديه الآفاق والأنفس بأن يتفكر في أجزاء
العالم وذراته وفي الأجرام العلوية من الأفلاك والكواكب وحركاتها وأوضاعها
ومقاديرها واختلافاتها ومقارناتها ومفارقاتها وتأثيراتها وتغييراتها وفي الأجرام
السفلية وترتيبها وتفاعلها وكيفياتها ومركباتها ومعدنياتها وحيواناتها ، وفي أجزاء
الإنسان وأعضائه من العظام والعضلات والعصبات والعروق وغيرها مما لا يحصى كثرة ،
ويستدل بها وبما فيها من المصالح والمنافع والحكم والتغيير على كمال الصانع وعظمته
وعلمه وقدرته ، وعدم ثبات ما سواه.
وبالجملة التفكر
فيما ذكر ونحوه من حيث الخلق والحكمة والمصالح أثره العلم بوجود الصانع وقدرته
وحكمته ، ومن حيث تغييره وانقلابه وفنائه بعد وجوده أثره الانقطاع منه والتوجه
بالكلية إلى الخالق الحق ، ومن هذا القبيل التفكر في أحوال الماضين وانقطاع أيديهم
عن الدنيا وما فيها ، ورجوعهم إلى دار الآخرة فإنه يوجب قطع المحبة عن غير الله
والانقطاع إليه بالتقوى والطاعة ، ولذا أمر بهما بعد الأمر بالتفكر ، ويمكن تعميم
التفكر بحيث يشمل التفكر في معاني الآيات القرآنية والأخبار النبوية والآثار
المروية عن الأئمة عليهمالسلام ، والمسائل الدينية والأحكام الشرعية ، وبالجملة كلما أمر
الشارع الصادق بالخوض فيه والعلم به.
قوله
عليهالسلام : وجاف عن الليل جنبك ، الجفاء البعد ، وجاف عنه كذا أي باعده عنه ، في الصحاح :
جفا السرج عن ظهر الفرس وأجفيته أنا إذا رفعته عنه ، وجافاه عنه فتجافى جنبه عن
الفراش أي نبأ ، انتهى.
وقال سبحانه : «
تَتَجافى
جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ »
[١] وإسناد المجافاة إلى الليل مجاز في الإسناد ، أي جاف عن
الفراش بالليل أو فيه تقدير مضاف أي جاف عن فراش