الجهة الثالثة : لا إشكال في تبادر الوجوب عرفاً من لفظ الأمر عند الاطلاق ، وإنّما الاشكال والكلام في منشأ هذا التبادر ، هل هو وضعه للدلالة عليه ، أو الاطلاق ومقدمات الحكمة ، أو حكم العقل به؟ وجوه بل أقوال.
المعروف والمشهور بين الأصحاب قديماً وحديثاً هو القول الأوّل. واختار جماعة القول الثاني ، ولكن الصحيح هو الثالث ، فلنا دعويان : الاولى : بطلان القول الأوّل والثاني.
الثانية : صحّة القول الثالث.
أمّا الدعوى الاولى : فلأ نّها تبتني على ركيزتين :
إحداهما : ما حققناه في بحث الوضع من أنّه عبارة عن التعهد والالتزام النفساني.
وثانيتهما : ما حققناه في بحث الانشاء من أنّه عبارة عن اعتبار الأمر النفساني ، وإبرازه في الخارج بمبرز من قول أو فعل أو ما شاكله.
وعلى ضوء هاتين الركيزتين يظهر أنّ مادة الأمر وضعت للدلالة على إبراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج ، فلا تدل على الوجوب لا وضعاً ولا إطلاقاً. أمّا الأوّل فظاهر. وأمّا الثاني فلأ نّه يرتكز على كونها موضوعةً للجامع بين الوجوب والندب ، ليكون إطلاقها معيّناً للوجوب دون الندب ، باعتبار أنّ بيان الندب يحتاج إلى مؤونة زائدة والاطلاق غير وافٍ به. ولكن قد عرفت أنّها كما لم توضع لخصوص الوجوب أو الندب ، كذلك لم توضع للجامع بينهما ، بل وضعت لما ذكرناه.
هذا مضافاً إلى عدم الفرق بين الوجوب والندب من هذه الناحية. وإذن فلا يكون الاطلاق معيّناً للأوّل دون الثاني ، فحاله حال الوجوب من هذه الناحية