العبد من أن يخالف ما يظهر من الطاعة ويبعثه على أن يكون باطنه في الاخلاص كظاهرة والذي بيّن ما قلناه قوله تعالى من بعد ( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ ).
[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى ( لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) كيف يصح أن يحملوا أوزار غيرهم ولئن جاز ذلك لم يمتنع أن يعذب الله تعالى أطفال المشركين بذنوب آبائهم. وجوابنا إن الذين أضلوهم لما كانوا سببا لضلالهم جاز أن يقول تعالى ذلك والمراد أنهم لما ضلوا وأضلوا كانت أوزارهم أعظم كما روي عنه صلّى الله عليه وسلم ( فيمن سنّ سنّة سيّئة أنّ عليه وزرها ووزر من عملها ) والمراد مثل ذلك لا أنّ عين ما يستحقه من يتأسّى به يستحقه من سنّ فعل السنّة السيّئة.
[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى ( وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ ) أما يدلّ ذلك على أنه تعالى يهدي ويضل وان ذلك من خلقه. وجوابنا أن المراد فمنهم من هدى الله الى الثواب لتمسكه بالعبادة ومنهم من حقّت عليه الضلالة عن الثواب الى العقاب بمعصيته وهذا كقوله ( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ ) فسمّى نفس العقاب ضلالا كما سمّى نفس الثواب هدى في قوله ( الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ ) والهدى بعد القتل لا يكون الا بالاثابة ولذلك قال بعده ( إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ ) فنبّه بذلك على ما ذكرنا ويحتمل أن يريد بالهدى زيادة البصيرة فيفعله بمن قبل وأطاع عنده دون من علم أنه لا يقبل كما قال تعالى ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً ).