سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية ، فإنّ رواة العلم كثير ورعاته قليل [١].
تجرّد نور العلم وعدم تجرّد النفس
بالتأمّل في ما ذكرنا يظهر في الجملة أنّ المجرّد عن المادّة ولواحقها في المخلوقات هو نور العلم والعقل بما لهما من الكمالات النوريّة ، بلا تركيب وتجزّؤ في ذاتهما ، لا النفس الإنسانيّة المعبّر عنها بالروح في قوله 7 : إنّ الله خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام [٢]. فإنّ الروح بهذا المعنى على ما يظهر من الروايات جزء من المادّة اللطيفة التي خلق منها كلّ شيء من العلّيين والسجّين والدنيا والآخرة ، والجنة والنار ، وما فيهما ، وسمّيت تلك المادّة في الروايات المباركة بالماء.
والظاهر من تلك الروايات أنّ تلك المادّة فاقدة بذاتها للحياة والكمالات النوريّة ، وكانت حياتها وحياة كلّ شيء من أجزائها من الأرواح البشريّة والملائكة والجانّ وغيرها وكمالها لوجدانها تلك الأنوار واستضاءتها بها ، وموتها بفقدانها إيّاها ، كما سيجيء توضيحه والدليل عليه إن شاء الله تعالى ، فإنّ وجدان الكمال وإن كان كمالا إلاّ أنّه فرق واضح بين صيرورة النفس بذاتها وجوهريّتها عين ذلك الكمال ونفسه ، وبين بقائها مغايرة له وحاملة إيّاه بلا تداخل واتّحاد بينهما كتداخل شيء في شيء ، كما يشهد به قوله تعالى : ( وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ )[٣]. بناء على كون المراد من العرش هو العلم ، والعلم أحد معاني العرش كما في الرواية [٤].
قال العلاّمة المجلسيّ ; في البحار : لا يخفى عليك أنّه لم يقم دليل عقليّ على التجرّد ولا على الماديّة ، وظواهر الآيات والأخبار تدلّ على تجسّم الروح والنفس ، وإن كان بعضها قابلا للتأويل ، وما استدلّوا به على التجرّد لا يدلّ دلالة صريحة عليه ، وإن كان في بعضها إيماء إليه ، فما يحكم به بعضهم من تكفير القائل بالتجرّد إفراط وتحكّم ،
[١] مجمع البحرين ٥ : ٤٢٥. [٢] البحار ٦١ : ١٣١ ، وسيأتي في ص ١١١ مصادر كثيرة لهذا الحديث. [٣] هود ٧. [٤] راجع ص ٢٥ ، ٢٦.