الجنّة ، فهذا تأويل الآية ، وهي في المذنبين من شيعتنا خاصّة [١].
التنبيه الثاني عشر : الفارق بين الروح والبدن أعراضهما
تحصّل مما ذكرنا أنّ أرواح البشر وأبدانهم كليهما من أجزاء المادّة المخلوق منها جميع الأشياء ، والفارق بينهما اللطافة والكثافة وغير هما من الأعراض ، فيمكن تغلّظ الأرواح بحيث ترى بالأعين العاديّة ، كما في الجانّ والملك [٢]. ويمكن تلطّف الأبدان حتى لا ترى ، وممّا يدلّ عليه رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر 7 ، ورواية الاحتجاج عن الصادق 7[٣]. وما ورد من أنّ الله تعالى خلق قلوب الشيعة أو أرواحهم ـ على اختلاف التعبير في الروايات ـ ممّا خلق منه أبدان الأئمّة :[٤].
ثم إنّ كون روح الإنسان جسما لطيفا كالهواء المتحرّك ـ كما هو المصرّح به في الخبرين المتقدّمين ـ لا ينافي اشتمالها على خصوصيّات ماديّة محيّرة للعقول ، نظير اشتمال البدن الذي لا شكّ في جسمانيّته على خصائص عجزت الحكماء والأطبّاء الفحول عن إحصائها ودرك حقيقتها ، ولا ينافي أيضا اشتمالها على أمور لا تناسب المادّية ، فإنّ ذلك ناشئ من إفاضة نور العلم والقدرة وغير هما ـ ممّا ليس من سنخ المادّة وعوارضها ولا جزء منها ، ولا صادرا ومتولّدا عنها ـ عليها. وهذا هو الفارق بين روح الإنسان وبين غيرها من سائر الأجسام اللطيفة والكثيفة ، وكفى به فارقا. وقد مرّ أنّ هذا النور يجده الإنسان إجمالا ، وكذا مغايرته إيّاه.
وقد مرّ أيضا في مبحث العلم أنّ من طرق التنبيه إلى وجود هذه الحقيقة ـ أي النور العلمي ـ وأنّه خارج عن حقيقة الإنسان ولا تصير جزء منها أبدا : فقداننا إيّاه عند المنام
[١] البحار ٧ : ٢٦١. [٢] يعني يحصل التغلّظ لهما في بعض الأحوال ، كما روي في الاحتجاج ٢ : ٨١ أنّه سئل الصادق 7 : كيف صعدت الشياطين إلى السماء وهم أمثال الناس في الخلقة والكثافة ، وقد كانوا يبنون لسليمان بن داود من البناء ما يعجز عنه ولد آدم؟ قال 7 : غلّظوا لسليمان كما سخّروا ، وهم جسم لطيف وغذاؤهم النسيم .... [٣] راجع التنبيه السابع. [٤] راجع ص ٢٢٩ ، الهامش ٤.