بعد أن خلق الله تعالى الأبدان الذرّية المتعلّقة بالأرواح المخلوقة قبلها فلا يبعد أن يكون حياة كلّ بدن بسبب تعلّق الروح الواجدة لنور الحياة والعلم به ، وموته بانفصال الروح عنه ، كما يمكن أن يكون حياته بوجدانه مستقلا النور المذكور [٢]. وعلى هذا الاحتمال تكون حياة الأبدان نظير حياة الأرواح المخلوقة قبلها فإنّها أيضا بالنور.
وبالجملة بعد صيرورة الأبدان الذرّيّة حيّة عالمة صالحة للتكليف المناسب لها ، وبعد إسكانها في فضاء الأرض عرّف الله تعالى إيّاهم ـ ثانيا أو ثالثا ـ نفسه ونبيّه وحججه ، وأخذ من جميعهم الإقرار بربوبيته ورسالة رسوله وولاية أوليائه المنتجبين صلوات الله عليهم. والظاهر أنّ آدم 7 وحوّاء كانا من جملتهم مع البدن الذرّيّ قبل خلقة الجسد المعهود.
ولعلّ ذلك العالم هو المراد من الذرّ الأوّل في رواية عليّ بن معمّر عن أبيه ، قال : سألت أبا عبد الله 7 عن قول الله عزّ وجلّ : ( هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى )[٣] ، قال : إنّ الله تبارك وتعالى لمّا ذرأ الخلق في الذرّ الأوّل فأقامهم صفوفا وبعث الله محمّدا 9 ، فآمن به قوم وأنكره قوم فقال الله : هذا نذير من النذر الاولى ، يعني به محمّدا 9 حيث دعاهم إلى الله عزّ وجلّ في الذرّ الأوّل [٤].
التنبيه السابع : امتحان الناس في عالم الذرّ
يظهر من بعض الروايات أنّ الله ابتلى الخلق في بدء الخلقة قبل ابتلائهم في هذه الدنيا ، بأن أجّج نارا فأمرهم بدخولها ، فدخل فيها قوم فصارت عليهم بردا وسلاما ، ولم
[١] البحار ٥ : ٢٤٢ ، ٢٤٧. [٢] وقد أشرنا سابقا إلى ما يدل على شهادة الجمادات ونطقها الدالة على إمكان إفاضة نور العلم عليها ، فراجع التنبيه الثاني. [٣] النجم ٥٦. [٤] تفسير القمّيّ ٢ : ٣٤٠ ، وعنه البحار ٥ : ٢٣٤.