التراجع ، فهذا النحو من الامتناع من الامتناع بالغير إلاّ انّ خصوصيته هي عدم القدرة على التراجع بعد حصول المقدمات التوليدية ، بخلاف الامتناع بالغير في مورد الصورة الثانية ، فإنّ المكلّف حتى لو أراد الفعل واختاره فإنّ له ان لا يفعل فلا يتحقق الامتناع معه إلاّ حين ايجاد الفعل. وهذا التوجيه هو المتناسب مع مبناه في العلل الإرادية ، وذلك في مقابل دعوى استحالة تخلّف المعلول عن علّته التامة حتى في موارد العلل الإرادية.
وكيف كان فالامتناع المراد في القاعدة هو الامتناع بالغير إلا انّ نظر الاصولي مقتصر على الامتناع الناشئ عن المقدمات الخارجية الاختيارية ، إذ لا إشكال في مسئولية المكلّف عن الأفعال الاختيارية الصادرة عنه ابتداء ، نعم الأفعال التي لا تكون اختيارية لو قطع النظر عن مقدماتها ، بمعنى انّها لو كانت اختيارية لكانت اختياريتها بسبب اختيارية مقدماتها ، هذه الأفعال يمكن ان يقع التشكيك حتى من غير الأشعري في اختياريتها.
فالسقوط من الشاهق ضروري الوقوع وعدمه خارج عن اختيار المكلّف بعد الإسقاط ، وحينئذ يمكن ان يقال بأن السقوط ليس اختياريا وان كان الاسقاط اختياريا ، وهنا يتصدى المؤمن بالقاعدة للقول : بأنّ السقوط وان كان ضروريا إلاّ انّ الضرورة الناشئة عن مقدمات اختيارية لا تنفي مسئولية المكلّف عن ذلك الفعل الذي نشأت ضرورته عن اختياره.
وباتّضاح المراد من القاعدة نقول انّ الاقوال فيها ثلاثة :
القول الاول : انّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا وخطابا.