وأنا أقول : أيّها الأخ اللبيب والحكيم الأديب! انظر وتدبّر كيف اطّلع أهل التحقيق من الصوفيّة المتشرّعين ومن الفلاسفة الإسلاميّين على المذهب الصحيح والحقّ الصريح؟ وكيف تغافلت أو غفلت عنه أقوام من العرب ، الوالهون في تشييد أركان الرئاسة ، الحريصون في رجوع الخلق إليهم في أحكام الشريعة؟ فضلّوا وأضلّوا ، فاستحبّوا العمى على الهدى وهم عارفون ، ثمّ تبعهم الغافلون.
والمعصوم أرباب العصمة. ومن تمسّك بهم في كلّ مسألة لا يمكن عادة أن يقع
فدعاه الهوى إلى الشهادة له على الاطّلاع على المذهب الصحيح ، حيث ظنّ أنّ كلامه مؤيّد لاعتقاده ، فإن كانت الشهادة حقّا بالاطّلاع على الحقّ ، فلأيّ شيء ذهب إلى الوقف ولم يتّبع الحقّ الّذي اطّلع عليه؟ ومع ذلك لم يكن في زمانه من العلماء الّذين أرادهم المصنّف أحد حتّى يصفه ويعيّنه بهذه الصفة ولا غيرهم ممّن يعتقد المصنّف مشاركتهم لهم في فعلهم الّذي قبّحه المصنّف.
وكلام هذا المتكلّم هو صورة ما وقع في زمن الخلفاء من انحرافهم عن أهل البيت عليهمالسلام وعن مذهبهم وبذلهم أموالهم للعلماء والقضاة لإظهار ما يخالف مذهب الأئمّة عليهمالسلام خصوصا في زمن أبي حنيفة وقد صرّحت الأئمّة بالشكاية من ذلك وبيان باطله والتحذير منه بما لا نسبة له في الزيادة والتكرار إلى كلام هذا المتكلّم. وهو أمر مختصّ بمن خالف مذهب الأئمّة وانحرف عنهم وعمل بالرأي والقياس استغناء عن سؤالهم والرجوع إليهم واتّبع أوامر الخلفاء في تغيير المعهود في زمن الرسول صلىاللهعليهوآله ومخالفة المرويّ بالنصّ المتواتر.
وفي كلام أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ في شرح ما حصل من جملة كلامه ما معناه : إنّه لمّا استمرّ ما حصل من التغيير والتبديل ومخالفة الحقّ ولم يكن إلّا ذلك توجّه للمتأخّر الجاهل حسنه واعتقد صحّته بعد مضيّ المتقدّم العارف واعتقد أنّ هذه الطريقة لو لم يكن حقّا لما ارتضاها المتقدّم العارف ، ولا يعلم منه وجه أصل سلوكها أكان بحقّ أو باطل؟ والناس على دين ملوكهم ، فجميع ما ورد في الحديث والخطب ومثل هذا الكلام راجع إلى ما أشرنا إليه ، وهو يقتضي أن يكون المتّصف به خارجا عن الإسلام فضلا عن الإيمان ، وعدوّا لأهل البيت ، فيجوز لمن يخاف الله أن ينسبه إلى علماء مذهبهم وشيعتهم ، وأيّ عالم منهم يجوّز العقل فيه أن تثبت له صفة من هذه الأوصاف؟ أو أيّ فعل صدر منه مخالف لمذهب أهل البيت؟