وإظهار خلافها يرفع الله الملك عن قلبه ويخلّي بينه وبين الشيطان ليلقي في قلبه الأباطيل الظنّية ، وهذا معنى كونه تعالى مضلّا لبعض عباده ] [١].
الثامنة : أنّه وقعت مشاجرة عظيمة من غير فيصل بين المتأخّرين من أصحابنا في تحقيق معنى الناصبيّ ، فزعم بعضهم أنّ المراد به : من نصب العداوة لأهل البيت عليهمالسلام. وذهب بعضهم إلى أنّ المراد به من نصب العداوة لمذهب الإماميّة [٢]. وفي الأحاديث تصريحات بالثاني. ومن قال بالأوّل كان قليل البضاعة في أحاديثنا الواردة في الأصوليين.
ومن الأحاديث الصريحة فيما اخترناه ما نقله الشيخ الصدوق في كتاب العلل حيث قال : حدّثنا محمّد بن الحسن قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن أحمد ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن عبد الله بن حمّاد ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت ، لأنّك لا تجد رجلا يقول : أنا ابغض محمّدا وآل محمّد ، ولكنّ الناصب من نصب لكم وهو يعلم أنّكم تتولّونا وأنّكم من شيعتنا [٣] *.
وما نقله محمّد بن إدريس الحلّي في آخر السرائر عن كتاب مسائل الرجال ومكاتباتهم مولانا أبا الحسن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى عليهالسلام في جملة
* مقتضى هذا الحديث : أنّ المراد من النصب إظهار البغض والعداوة لمحبّي أهل البيت ومواليهم وشيعتهم وأنّه ليس السبب لبغضهم وعداوتهم إلّا ذلك ، وهو يستلزم أن لا يكون الموجب له إلّا بغض أهل البيت وكراهتهم ، لأنّ من أحبّ إنسانا بالطبع أحبّ محبّه ، ومن أبغضه أبغض محبّه ، ولكن منعهم عن إظهار البغض بالصريح لأهل البيت خوف لوازمه الموجب للعقاب ، فأبطنوه وأظهروا أثره في محبّيهم وشيعتهم. وهذا المعنى كالصريح المفهوم من قوله عليهالسلام : « لأنّك لا تجد أحدا يقول : أنا ابغض محمّدا وآل محمّد » لأنّه يدلّ على أنّه ليس لهم مانع من ذلك إلّا الخوف ، ولو لم يكن لأظهروه وأعلنوا به. فعلم أنّ أصل العداوة إنّما هي لأهل البيت وأمّا لمحبّيهم وشيعتهم فبالعارض ، فيرجع الصواب إلى رجحان القول الأوّل وقلّة البضاعة إلى نافيه.
[١] ما بين المعقوفتين لم يرد في خ. [٢] خ : من نصب عداوة لما ذهبت إليه أصحابنا. [٣] العلل : ٦٠١ ، ح ٦٠.