العقل بوجوبه ولا يحكم ما لم يجب ». وأمّا ثانيا : فبالحلّ وهو أنّ قوله : « لا أنظر حتّى يجب » غير صحيح ، لأنّ النظر لا يتوقّف على وجوب النظر وهو ظاهر. وقد يقال : فلا يمكن إلزامه النظر ، وهو معنى الإفحام. ولو سلّم أنّ النظر يتوقّف على وجوبه فقوله : « لا يجب حتّى أنظر ، أو حتّى يثبت الشرع » غير صحيح ، فإنّ الوجوب عندنا ثابت بالشرع نظر أو لم ينظر ثبت الشرع أو لم يثبت ، لأنّ تحقّق الوجوب لا يتوقّف على العلم به ، وإلّا لزم الدور وليس ذلك من تكليف الغافل في شيء فإنّه يفهم التكليف وإن لم يصدق به [١] انتهى.
وأنا أقول أوّلا : قد نقل عن الصوفيّة أنّ معرفته تعالى عندهم ضرورية لا كسبية ، فكيف يصحّ قوله : فأمّا معرفته تعالى فواجبة إجماعا من الامّة؟
ثمّ أقول ثانيا : قد تواترت الأخبار عن أهل بيت النبوّة متّصلة إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله بأنّ معرفة الله تعالى [ ومعرفة توحيده ] [٢] بعنوان أنّه خالق العالم وأنّ له رضى وسخطا ، وأنّه لا بدّ من معلّم من جهة الله تعالى ليعلّم الخلق ما يرضيه وما يسخطه من الامور الفطرية الّتي وقعت في القلوب بإلهام فطريّ إلهيّ ، كما قال الحكماء : الطفل يتعلّق بثدي أمّه بإلهام فطري إلهي.
وتوضيح ذلك : أنّه تعالى ألهمهم بتلك القضايا ، أي خلقها في قلوبهم وألهمهم بدلالات واضحة على تلك القضايا ، ثمّ أرسل إليهم الرسول وأنزل عليه الكتاب ، فأمر فيه ونهى.
وبالجملة ، أنّه لم يتعلّق بهم وجوب ولا غيره من التكليفات إلّا بعد بلوغ خطاب الشارع ، ومعرفة الله تعالى قد حصلت لهم قبل بلوغ الخطاب بطريق الإلهام بمراتب [ وكلّ ما بلغته دعوة النبيّ صلىاللهعليهوآله يقع في قلبه من الله تعالى يقين على صدقه ، فإنّه تواترت الأخبار عنهم عليهمالسلام بأنّه : ما من أحد إلّا وقد يرد عليه الحقّ حتّى يصدع قلبه ، قبله أو تركه ] [٣] فأوّل الواجبات الإقرار اللساني بالشهادتين.
[١] شرح القاضي : ٧٦. [٢] لم يرد في ط. [٣] ما بين المعقوفتين لم يرد في خ. والرواية وردت في المحاسن ١ : ٤٣١ ، ح ٣٩٧.