إنّه يفهم من هذه الأحاديث الشريفة : أنّ من جملة نعماء الله تعالى على هذه الطائفة أنّه جلّ جلاله جوّز لهم العمل بكلّ ما ورد من أصحاب العصمة ولو كان وروده من باب التقيّة.
الفائدة الرابعة
إنّه يفهم من بعض تلك الأحاديث أنّه إذا لم نطّلع على أحد الوجوه المرجّحة المذكورة فيها يجب التوقّف عن تعيين أحد الطرفين قولا وفعلا إلى لقاء صاحبنا عليهالسلام ويفهم من بعضها أنّه حينئذ نحن مخيّرون في العمل بأيّهما نريد من باب أنّ كلّ ما ورد منهم عليهمالسلام يجب علينا تسليمه ولو كان وروده في الواقع من باب التقية والشفقة على الرعيّة ، لا من باب أن حكم الله الواقعي التخيير ، ولا من باب أنّه إذا تعارضت الأمارات في نظر المجتهد فهو مخيّر في العمل بأيّتهما أراد كما هو مذهب من يعمل بالظنّ في نفس أحكامه تعالى.
وقد تحيّر الطبرسي في كتاب الاحتجاج وابن جمهور الأحسائي في كتاب غوالي اللآلي في الجمع بينهما. والّذي فهمت أنا من كلامهم عليهمالسلام أنّه إن كان مورد الحديثين المختلفين العبادات المحضة كالصلاة فنحن مخيّرون في العمل. وإن كان غيرها من حقوق الآدميّين من دين أو ميراث أو وقف على جماعة مخصوصين أو فرج أو زكاة أو خمس فيجب التوقّف عن الأفعال الوجودية المبنية على تعيين أحد الطرفين بعينه.
والإمام ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني ـ قدّس الله سرّه ـ ذكر في كتاب الكافي ما يدلّ على العمل بالحديث الدالّ على التخيير وقصده قدسسره ذلك عند عدم ظهور شيء من المرجحات المذكورة في تلك الأحاديث. وينبغي أن يحمل كلامه على ما إذا كان مورد الروايتين العبادات المحضة ، بقرينة أنّه قدسسره ذكر بعد ذلك في باب اختلاف الحديث مقبولة عمر بن حنظلة الواردة في المتخاصمين في دين أو ميراث ، الناطقة بأنّه مع عدم ظهور شيء من المرجّحات المذكورة يجب الإرجاء إلى لقاء الإمام عليهالسلام.