منهما أنّ استنباط الأحكام النظرية ليس شغل الرعيّة ، بل علينا أن نلقي إليهم نفس أحكامه تعالى بقواعد كلّية وعليهم استخراج الامور [١] الجزئية عن تلك القواعد الكلّية ، مثال ذلك قولهم عليهمالسلام : « إذا اختلط الحلال بالحرام غلب الحرام » [٢] وقولهم عليهمالسلام : « كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه فتدعه » [٣] وقولهم عليهمالسلام : « الشكّ بعد الانصراف لا يلتفت إليه » [٤] وقولهم عليهمالسلام : « ليس ينبغي لك أن تنقض يقينا بشكّ أبدا وإنّما تنقضه بيقين آخر » [٥] *.
وهنا فائدة شريفة :
هي أنّ الأنظار العقلية قسمان :
قسم يكون تمهيده مادّة الفكر فيه بل صورته أيضا من جانب أصحاب العصمة ، وقسم لا يكون كذلك.
فالقسم الأوّل : مقبول عند الله تعالى مرغوب إليه ، لأنّه معصوم عن الخطأ.
والقسم الثاني : غير مقبول ، لكثرة وقوع الخطأ فيه. وإثبات النبيّ صلىاللهعليهوآله رسالته على الامّة إمّا من باب أنّه من باب بعد الاطّلاع على معجزته يحصل القطع بدعواه بطريق الحدس كما يفهم من الأحاديث ، أو من القسم المقبول من النظر والفكر ، واستخراج الرعيّة الفروع من القواعد الكلّية المتلقّاة منهم عليهمالسلام من هذا القسم
* الّذي يظهر من لفظ « التفريع » واستعماله أنّ المراد به غير ما ذكره المصنّف ، لأنّ الكلّي الصادق على جزئيّات معلومة ـ مثل ما ذكره من الأمثلة ـ غير محتاج إلى تفريع ولا إلى بيان. والمناسب بمعنى التفريع هو الاستنباط والاستخراج من دلائل اللفظ بالفحوى أو الالتزام أو دلالة عرفيّة أو عاديّة أو مجازيّة ، ونحو ذلك. وهذا معنى الاجتهاد ، إذ ليس كلّ مكلّف له أهليّة التفريع حتّى يكون عليه ذلك. فعلم أنّهم عليهمالسلام إنّما أرادوا من له قدرة على ذلك ، وكان المصنّف غنيّا عن إيراد هذين الحديثين ، ولكن الحقّ يزهق الباطل.