وأنا أقول : أيّها الناظر اللبيب انظر كيف أنطقهم الله بالحقّ من حيث لا يدرون؟!
ثمّ أقول : الاشتباه قد يكون في وجوب فعل وجودي وعدم وجوبه مثلا ، وقد يكون في حرمة فعل وجودي وعدم حرمته مثلا ، وقد جرت عادة العامّة وعادة المتأخّرين من علماء الخاصّة بالتمسّك بالبراءة الأصلية في المقامين. ولمّا أبطلنا جواز التمسّك بها لعلمنا بأنّه تعالى أكمل لنا ديننا ، ولعلمنا بأنّ كلّ واقعة تحتاج إليها الامّة إلى يوم القيامة أو تخاصم فيها اثنان ورد فيها خطاب قطعي من الله عزوجل خال عن معارض معادل ، ولعلمنا بأنّ كلّ ما جاء به نبيّنا صلىاللهعليهوآله مخزون عند الأئمّة الطاهرين عليهمالسلام ولعلمنا بأنّهم عليهمالسلام لم يرخّصونا في التمسّك بالبراءة الأصلية فيما نعلم الحكم الّذي ورد فيه بعينه ، بل أوجبوا التوقّف في كلّ ما لم نعلم حكمه بعينه ، وأوجبوا الاحتياط أيضا في بعض صوره ، فعلينا [١] أن نبيّن ما يجب أن يعمل به في المقامين ، وسنحقّقه بما لا مزيد عليه إن شاء الله تعالى في الفصل الثامن بتوفيق الملك العلّام ودلالة أهل الذكر عليهمالسلام وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ، ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا.
وقد رأيت في المنام واليقظة أبوابا مفتوحة للوصول إلى الحقّ في هذه المقامات في الحرمين الشريفين ، وشاهدت بعين البصر [٢] والبصيرة مصداق قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا )[٣] والحمد لله تعالى *.
* إنّ الاعتماد في مثل هذه المقامات على المنامات دليل ضعف العقل ، ولا يليق تصوّره بوجه ، لأنّ الإنسان من طبعه إذا كثر عنده الهجس بشيء رآه في منامه خطأ كان أو صوابا ، وكثيرا ما يكون ذلك من الشيطان عند الفتنة للعلماء بسبب اعتقاد الكمال والمزيّة على الغير والعجب بالنفس ، ولا يمنع عروض الشيطان مانع من تقوى أو صلاح ، فإنّ فاطمة عليهاالسلام مع شرفها وطهارتها عرض لها الشيطان الأبيض في المنام وأراها ما يكره بصورة اليقظة [٤] وهذه الحالة هي المحذّر منها للعلماء الّتي ربما توجب الكفر في بعض الموارد! وادّعاء المصنّف أنّه شاهد ذلك يقظة وتخيّل له هذا الأمر حتّى اعتقده محسوسا مقرّب لما أشرنا إليه.