وترك الحقّ سأمة وملالة وانتجاعك الباطل جهلا وضلالة ، لأنّا لم نجد تابعا لهواه جائرا عمّا ذكرنا قطّ رشيدا ، فانظر في ذلك [١].
أقول : غير خاف على اللبيب أنّ خلاصة ما ذكره عليهالسلام جارية في مطلق الاستنباطات الظنّية سواء كانت من باب القياس والاستحسان والاستصحاب أصالة البراءة من الأحكام الشرعية ، أو من باب غيرها من المدارك الّتي اعتبرتها العامّة وجماعة من الخاصّة *.
ومن أعجب العجائب! أنّ شيخنا الشهيد رحمهالله ذكر في كتاب الذكرى : أنّ أصالة البراءة تفيد القطع واليقين [٢] مع أنّها لا تفيد الظنّ على مذهب أهل الحقّ ، وهو أنّه لم تخل واقعة عن حكم قطعي وارد من الله تعالى. فاعتبروا يا اولي الأبصار!
وفي الكافي ـ في باب اختلاف الحديث ـ عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن أبان بن أبي عيّاش ، عن سليم بن قيس الهلالي قال : قلت لأمير المؤمنين عليهالسلام : إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذرّ شيئا من تفسير القرآن وأحاديث عن النبيّ صلىاللهعليهوآله غير ما في أيدي الناس ، ثمّ سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنتم تخالفونهم فيها ، وتزعمون أنّ ذلك كلّه باطل ، أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلىاللهعليهوآله متعمّدين ويفسّرون القرآن بآرائهم؟
الحكمة عند العقل وقوع الاختلاف في حكم من أحكام الدين بين أهله فهو خلاف الوجدان وخلاف ما أخبرت به الرسل ، وقد حصل الاختلاف بين القرّاء في زمانه عليهالسلام وثبت بالتواتر قراءة السبع. وكون الرسل مرسلين للهداية ورفع الاختلاف لا ينافي عدم حصول ذلك من تقصير المكلّفين ومخالفتهم للحقّ وعدم التفاتهم لتحصيله من أهله ، كما أنّ الإسلام لم يحصل بجميع الناس مع أنّ الرسول ما جاء إلّا لهداية الإنس والجنّ.
* لو حصل الاعتبار الصحيح لأغنى المصنّف في هذا الباب عن الإطالة والإكثار والإقدام على حمل كلام الأئمّة عليهمالسلام على غير مقتضاه ومعناه عند الاختبار ، وقد نبّهنا على مصداق ذلك مرارا سابقا.