وسنذكر وجوه القرائن الموجودة في زماننا لتعلم أنّ زمانهم أولى بذلك ، من جملتها خبر رجل يقطع بقرينة المعاشرة أو بدونها أنّه ثقة في الرواية وإن كان فاسد المذهب ، ولنتبارك [١] بنقل طرف من الأحاديث الناطقة بجواز التمسّك بالكتب
* أقول : من كان من القدماء يمكنه الاطّلاع على صحّة الحديث وأخذ الأحكام عنهم عليهمالسلام بطريق القطع واليقين لا ينسب أحد إليه الاعتماد في معرفة الأحكام على الظنّ ، لأنّ عدم جواز ذلك متّفق عليه ، وإنّما كلام العلّامة وغيره فيمن عدا ذلك. ومقتضى كلام المصنّف صحّة كلّ حديث ينسب إليهم عليهمالسلام من ذلك الزمان إلى هذا الزمان ، وسيأتي فيما ننقله عن الشيخ رحمهالله من العدّة أنّ المصنّف يلزمه تخطئة الشيخ فيما أفاده من الاستدلال على صحّة العمل بخبر الواحد المفيد للظنّ ، ويلزمه أيضا أن يلزم الشيخ بأنّ ما أورده في كتابيه بتمامه يعلم صحّته وثبوته عن الأئمّة عليهمالسلام بالقطع واليقين ، والشيخ رحمهالله يصرّح بخلاف ذلك وأنّها أخبار آحاد لا توجب إلّا الظنّ إذا تجرّدت عن القرائن وأنّ هذا هو سبب اختلاف العلماء ، ولو كان غير ذلك لما جاز الاختلاف. وهذا من المصنّف جار على ما اعتاده من الإقدام على الدعاوي الظاهرة الفساد.
وذكر الشهيد الثاني رحمهالله في بحث ترجيح السماع من الشيخ على الإجازة في شرح الدراية ما معناه من الفرق بين عصر السلف قبل جمع الكتب المعتبرة الّتي يعوّل عليها ويرجع إليها وبين عصر المتأخّرين ، ورجّح السماع في عصر السلف الأوّل بأنّهم كانوا يجمعون الحديث من صحف الناس وصدور الرجال ، فدعت الحاجة إلى السماع خوفا من التدليس ، بخلاف ما بعد تدوينها ، لأنّ فائدة الرواية حينئذ إنّما هي اتّصال سلسلة الإسناد بالنبيّ صلىاللهعليهوآله تيمّنا وتبرّكا فالحجّة تقوم بما في الكتب. ثمّ قال : ويعرف القويّ منها والضعيف من كتب الجرح والتعديل ، وهذا قويّ متين [٢] انتهى كلامه رحمهالله.
وهذا الكلام صريح بأنّ الكتب الأربعة صارت معلومة الثبوت عندنا من مؤلّفيها وأنّ الإجازة إليها والرواية بذلك منها إنّما هو لمجرّد اتّصال السند كما ذكره ، وأنّ كلّ ما تضمّنته ليس معلوم الصحّة ومقطوع الثبوت عن الأئمّة عليهمالسلام بل منه القويّ والضعيف ، وتمييز ذلك راجع إلى كتب الجرح والتعديل.
[١] كذا ، والموافق للّغة : ولنتبرّك. [٢] الرعاية لحال البداية : ١٣٨ ( تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة ).