وتزوّجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالا كان مع الناس ، وكان هذه المرأة على الباب تنتظره فلما رآه مسلم 7 استقاها فسقته فجلس على الباب لا تطاوعه نفسه أن يبتدئها بطلب الإذن في الدخول للدار ، ولا يعرف موضعا يؤيه من عادية الطاغي ، ولا من يأخذ الى الخلص من صحبه والشوارع فيها الحرص ، وقد فرّق الخوف جل الناهضين معه.
فالتفتت اليه قائلة : ألم تشرب؟ فأجابها بصوت منكسر وزفرات متصاعدة : نعم قد شربت ، قالت : إذا لماذا تذهب إلى أهلك؟ فسكت عنها إذ لم يكن له أهل ولا يعرف من يؤيه ، ولكنها لم تقتنع بذلك لأنها امرأة مصونة متأنف من وقوف الأجنبي على بيتها فقالت له : إني لا أحل لك الجلوس هنا ولا يصلح لك.
فعندها رق وتلاين وقال : يا أمة الله مالي في هذا المصر منزل ، ولا عشيرة فهل لك الى أجر ومعروف ولعلي مكافئك به بعد هذا اليوم.
فاستفزّنها هذه الكلمة الغالية لأن الأجر من أعمال الصالحين والمعروف لا يكافي عليه إلا أهله فقالت مستفهمة : وما ذاك؟ قال : أنا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم وغرّوني. فلما سمعت باسمه شعرت بزلفى الأبد ، وسعادة لا يتوفّق لها إلا من أودع الله تعالى فيه نور الايمان ، فأعادت عليه السؤال عن اسمه متأكدة في الحصول على الغاية الثمينة وقالت له : أنت مسلم؟ قال : نعم ، فرحبت به وامتلأ قلبها سرورا بالحضوة بضيافة مثل داعية ابن الرسول 9 وأدخلته بيتاً غير الذي يأوي اليه ابنها وعرضت عليه الطعام فأبى.
ولما وافى ابنها المنزل ورآها تكثر الدخول لذلك البيت استراب منه فاستفهمها عنه فأعرضت وألح عليها ، فلم تخبره إلا بعد أن أخذت عليه العهود أن لا يعلم أحدا بما في البيت ، فبات الغلام فرحا بجائزة ابن زياد [١].
مسلم في اليوم الثاني
كانت هذه الليلة أطول ليلة مرت على مسلم 7 يرقب آناءها ويعدد دقائقها وثوانيها ، ينظر بعين البصيرة الى زوايا البيت وهو يعلم أنه مأتي لا محالة ولكن كيف يؤتى ومن أين يتوقع الهجوم عليه ، وكيف يدافع ولا يبصر إلا ناحية واحدة