كل هذه الاُمور والمواقف واللفتات
العملية الدقيقة وعشرات مثلها ، هي التي خلّدت الاِمام زين العابدين وجعلته في
مصافّ أعظم الاَئمة والمصلحين وزعماء التاريخ ، وإنّها هي التي هيأت له من أسباب
الخلود مالم تهيئه لمناوئيه ومعاصريه من الحكام الاَمويين الذين تحكّموا بالرقاب
دون المشاعر ، وركّزوا على الشعار دون الواقع ، فصاروا عاراً على التاريخ ولعنة
للاَجيال ...
نعم ، جاءت مواقف الاِمام حاكمة على
نظرياته وليس العكس ، وجاءت مصاديقه ترافع مفاهيمه وليس العكس ، وهكذا جاءت دموعه
الحرّى ناطقة عن إيمانه وصبره وفجيعته ، كما جاء حزنه الصامت مفصحاً عن ثورته
ورفضه وتمرده.
لقد جسّد عليهالسلام
بحق نظرية أبيه في طلب الاِصلاح في أُمّة جدّه صلىاللهعليهوآلهوسلم
، وجاء امتداداً صادقاً لتلك التضحية الخالدة التي كانت وستظل غرّة على جبين
الزمان ، مادام هناك صراع بين الحق والباطل ، أو بين السماحة واللؤم ، أو بين
النقص والكمال ، أو القبح والجمال ...
فلولا القبح ما عُرف الجمالُ
ولولا النقص ما عُرف الكمالُ
(والباقيات
الصالحات خيرٌ عند ربّك ثواباً وخيرٌ مردّاً)[٢].