ثُمَّ الْتَفَتَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَنْ يَمِينِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ، وَ هُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَ هُوَ يَقُولُ: أَلَا لَا يَقُولَنَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ غَداً قَدْ غَمَرَتْهُمُ الدُّنْيَا، فَاتَّخَذُوا الْعَقَارَ، وَ فَجَّرُوا الْأَنْهَارَ، وَ رَكِبُوا الْخُيُولَ الْفَارِهَةَ، وَ اتَّخَذُوا الْوَصَائِفَ الرُّوقَةَ، فَصَارَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عَاراً وَ شَنَاراً إِنْ لَمْ يَغْفِرْ لَهُمُ الْغَفَّارُ، إِذَا مُنِعُوا مَا كَانُوا فِيهِ، وَ صُيِّرُوا إِلَى حُقُوقِهِمُ الَّتِي يَعْلَمُونَ، يَقُولُونَ: حَرَمَنَا ابْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَ ظَلَمَنَا حُقُوقَنَا، وَ نَسْتَعِينُ بِاللَّهِ وَ نَسْتَغْفِرُهُ، وَ أَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ وَ سَابِقَةٌ مِنْكُمْ، فَإِنَّمَا أَجْرُهُ فِيهِ عَلَى اللَّهِ، فَمَنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ وَ دَخَلَ فِي دِينِنَا، وَ اسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَ أَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَقَدِ اسْتَوْجَبَ حُقُوقَ الْإِسْلَامِ وَ حُدُودَهُ.
فَأَنْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، عِبَادُ اللَّهِ الْمُسْلِمُونَ، وَ الْمَالُ مَالُ اللَّهِ يُقْسَمُ بَيْنَكُمْ بِالسَّوِيَّةِ، وَ لَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَضْلٌ إِلَّا بِالتَّقْوَى، وَ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُ الْجَزَاءِ وَ أَفْضَلُ الثَّوَابِ، لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ الدُّنْيَا لِلْمُتَّقِينَ جَزَاءً وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ، إِذَا كَانَ غَداً فَاغْدُوا، فَإِنَّ عِنْدَنَا مَالًا اجْتَمَعَ، فَلَا يَتَخَلَّفَنَّ أَحَدٌ كَانَ فِي عَطَاءٍ، أَوْ لَمْ يَكُنْ إِذَا كَانَ مُسْلِماً حُرّاً، احْضُرُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ.
فَاجْتَمَعُوا مِنَ الْغَدِ، وَ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ أَحَدٌ، فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ لِكُلِّ إِنْسَانٍ الشَّرِيفِ وَ الْوَضِيعِ وَ الْأَحْمَرِ وَ الْأَسْوَدِ، لَمْ يُفَضِّلْ أَحَداً، وَ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ أَحَدٌ إِلَّا هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ: طَلْحَةُ وَ الزُّبَيْرُ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ وَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَ نَاسٌ مَعَهُمْ.
فَسَمِعَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ وَ هُوَ كَاتِبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَ هُوَ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ وَ طَلْحَةَ وَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: لَقَدِ الْتَفَتَ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَقُلْتُ لَهُ: إِيَّاكِ أَعْنِي وَ اسْمَعِي يَا جَارَةِ. فَقَالَ لَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ: يَا سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: «وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ»[1]. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَأَخْبَرْتُ عَلِيّاً (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقَالَ: لَئِنْ سَلِمَتْ لَأَحْمِلَنَّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ، قَاتَلَ اللَّهُ ابْنَ الْعَاصِ، لَقَدْ عَلِمَ فِي كَلَامِي أَنِّي أُرِيدُهُ وَ أَصْحَابَهُ بِكَلَامِي، وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ.
[1] سورة المؤمنون 23: 70.