فَرَضِيَ.
فَلَمَّا هَمَّ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِالنُّهُوضِ، قَامَ إِلَيْهِ أَبُو أَيُّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ صَاحِبُ مَنْزِلِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَقَمْتَ بِهَذِهِ الْبَلْدَةِ، فَإِنَّهَا مُهَاجَرُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، وَ بِهَا قَبْرُهُ وَ مِنْبَرُهُ، فَإِنِ اسْتَقَامَتْ لَكَ الْعَرَبُ كُنْتَ كَمَنْ كَانَ قَبْلَكَ، وَ إِنْ وُكِلْتَ إِلَى الْمَسِيرِ فَقَدْ أَعْذَرْتَ. فَأَجَابَهُ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِعُذْرِهِ فِي الْمَسِيرِ.
ثُمَّ خَرَجَ لَمَّا سَمِعَ تَوَجُّهَ طَلْحَةَ وَ الزُّبَيْرِ إِلَى الْبَصْرَةِ وَ تَمَكَّثَ حَتَّى عَظُمَ جَيْشُهُ، وَ أَغَذَّ[1] السَّيْرَ فِي طَلَبِهِمْ، فَجَعَلُوا لَا يَرْتَحِلُونَ مِنْ مَنْزِلٍ إِلَّا نَزَلَهُ حَتَّى نَزَلَ بِذِي قَارٍ، فَقَالَ: وَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيَحْزُنُنِي أَنْ أَدْخُلَ عَلَى هَؤُلَاءِ فِي قِلَّةِ مَنْ مَعِي، فَأَرْسَلَ إِلَى الْكُوفَةِ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) وَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ، وَ كَتَبَ إِلَيْهِمْ كِتَاباً، فَقَدِمُوا الْكُوفَةَ، فَخَطَبَ النَّاسَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ)، فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ، وَ ذَكَرَ عَلِيّاً (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَ سَابِقَتَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَ بَيْعَةَ النَّاسِ لَهُ، وَ خِلَافَ مَنْ خَالَفَهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِكِتَابِ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقُرِئَ عَلَيْهِمْ.
" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أُخْبِرُكُمْ عَنْ أَمْرِ عُثْمَانَ حَتَّى يَكُونَ سَمْعُهُ عِيَانَهُ، إِنَّ النَّاسَ طَعَنُوا عَلَيْهِ، وَ كُنْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أُكْثِرُ اسْتِعْتَابَهُ، وَ أُقِلُّ عَيْبَهُ، وَ كَانَ هَذَانِ الرَّجُلَانِ أَهْوَنُ سَيْرِهِمَا فِيهِ الْوَجِيفُ، وَ قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِ عَائِشَةَ فَلْتَةٌ عَلَى غَضَبٍ، فَأُتِيحَ لَهُ قَوْمٌ فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ بَايَعُونِي غَيْرَ مُسْتَكْرَهِينَ، وَ كَانَ هَذَانِ الرَّجُلَانِ أَوَّلَ مَنْ فَعَلَ عَلَى مَا بُويِعَ عَلَيْهِ مَنْ كَانَ قَبْلِي، ثُمَّ إِنَّهُمَا اسْتَأْذَنَانِي فِي الْعُمْرَةِ، وَ لَيْسَا يُرِيدَانِهَا، فَنَقَضَا الْعَهْدَ، وَ آذَنَا بِحَرْبٍ، وَ أَخْرَجَا عَائِشَةَ مِنْ بَيْتِهَا، لِيَتَّخِذَاهَا فِئَةً، وَ قَدْ سَارَا إِلَى الْبَصْرَةِ اخْتِيَاراً لَهَا، وَ قَدْ سِرْتُ إِلَيْكُمْ اخْتِيَاراً لَكُمْ، وَ لَعَمْرِي مَا إِيَّايَ تُجِيبُونَ، مَا تُجِيبُونَ إِلَّا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ، وَ لَنْ أُقَاتِلَهُمْ وَ فِي نَفْسِي مِنْهُمْ حَاجَةٌ، وَ قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ بِالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ مُسْتَنْفِرِينَ فَكُونُوا عِنْدَ ظَنِّي بِكُمْ، وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ".
[1] أي أسرع.