يَا أَبَا ذَرٍّ، اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ كُنْتَ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ (عَزَّ وَ جَلَّ) يَرَاكَ، وَ اعْلَمْ أَنَّ أَوَّلَ عِبَادَتِهِ الْمَعْرِفَةُ بِهِ بِأَنَّهُ الْأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ فَلَا شَيْءَ قَبْلَهُ، وَ الْفَرْدُ فَلَا ثَانِيَ مَعَهُ، وَ الْبَاقِي لَا إِلَى غَايَةٍ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَا فِيهِمَا وَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ شَيْءٍ، وَ هُوَ اللَّهُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، ثُمَّ الْإِيمَانُ بِي وَ الْإِقْرَارُ بِأَنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَ جَلَّ) أَرْسَلَنِي إِلَى كَافَّةِ النَّاسِ بَشِيراً وَ نَذِيراً، وَ داعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً، ثُمَّ حُبُّ أَهْلِ بَيْتِيَ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً.
وَ اعْلَمْ يَا أَبَا ذَرٍّ، أَنَّ اللَّهَ (تَعَالَى) جَعَلَ أَهْلَ بَيْتِي كَسَفِينَةِ النَّجَاةِ فِي قَوْمِ نُوحٍ، مَنْ رَكِبَهَا نَجَا، وَ مَنْ رَغِبَ عَنْهَا غَرِقَ، وَ مَثَلَ بَابِ حِطَّةٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مَنْ دَخَلَهَا كَانَ آمِناً.
يَا أَبَا ذَرٍّ، احْفَظْ مَا أَوْصَيْتُكَ بِهِ تَكُنْ سَعِيداً فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ.
يَا أَبَا ذَرٍّ، نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، وَ الْفَرَاغُ.
يَا أَبَا ذَرٍّ، اغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَ صِحَّتَكَ قَبْلَ سُقْمِكَ، وَ غِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَ فَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَ حَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ.
يَا أَبَا ذَرٍّ، إِيَّاكَ وَ التَّسْوِيفَ بِأَمَلِكَ، فَإِنَّكَ بِيَوْمِكَ وَ لَسْتَ بِمَا بَعْدَهُ، فَإِنْ يَكُنْ غَدٌ لَكَ تَكُنْ فِي الْغَدِ كَمَا كُنْتَ فِي الْيَوْمِ، وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ غَدٌ لَكَ لَمْ تَنْدَمْ عَلَى مَا فَرَّطْتَ فِي الْيَوْمِ.
يَا أَبَا ذَرٍّ، كَمْ مِنْ مُسْتَقْبِلٍ يَوْماً لَا يَسْتَكْمِلُهُ وَ مُنْتَظِرٍ غَداً لَا يَبْلُغُهُ.
يَا أَبَا ذَرٍّ، لَوْ نَظَرْتَ إِلَى الْأَجَلِ وَ مَسِيرِهِ لَأَبْغَضْتَ الْأَمَلَ وَ غُرُورَهُ.
يَا أَبَا ذَرٍّ، كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ وَ كَعَابِرِ سَبِيلٍ، وَ عُدَّ نَفْسَكَ فِي أَهْلِ الْقُبُورِ.
يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْمَسَاءِ، وَ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالصَّبَاحِ، وَ خُذْ مِنْ صِحَّتِكَ قَبْلَ سُقْمِكَ، وَ مِنْ حَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا اسْمُكَ غَداً.
يَا أَبَا ذَرٍّ، إِيَّاكَ أَنْ تُدْرِكَكَ الصَّرْعَةُ عِنْدَ الْغِرَّةِ فَلَا تُمَكَّنَ مِنَ الرَّجْعَةِ، وَ لَا يَحْمَدَكَ مَنْ خَلَّفْتَ بِمَا تَرَكْتَ، وَ لَا يُعْذِرَك مَنْ تَقْدَمُ عَلَيْهِ بِمَا بِهِ اشْتَغَلْتَ.
يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا رَأَيْتُ كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا، وَ لَا مِثْلَ الْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا.